[الباب الثامن النسخ]
  مسهِّلات للواجبات، وأما المحرمات فلكونها مفاسد(١)، ولا شك أن دفع المفسدة أهم من جلب المنفعة، وأما المكروهات فلكونها مسهِّلة لاجتناب المحرمات؛ وحينئذ فيلزم أن تتغير(٢) بتغيرها، فإنا نقطع بأن المصلحة قد تتغير بحسب الأوقات كما تتغير بحسب الأشخاص، فلا بُعدَ في أن تكون المصلحة تقتضي شرعَ الحكمِ في وقت ورفعه في وقت آخر.
  وأما النقل فقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} أي: نؤخرها {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة ١٠٦]، فإنها مصرحة بوقوع النسخ(٣) في القرآن. وأيضا فإنه قد وقع، وهو دليل الجواز، وذلك كما جاء في التوراة أن آدم # أُمِرَ بتزويج بناته من بنيه. وقد حرم ذلك باتفاق، وإن كان قد روي عن جعفر الصادق #(٤) المنع من أن يكون آدم أمر بتزويج بناته من بنيه، بل إنه أنزل لابن آدم حوراء فنكحها فولدت، فجازت ابنتها لابن أخيه(٥). قال الإمام المهدي #: لكنها رواية شاذة مغمورة، غير مشهورة عن الصادق #، والله أعلم.
  قيل: والنسخ من ضروريات الدين(٦)، فهو معلوم ضرورة؛ بدليل نسخ
(١) على كلام المعتزلة، وعند أئمتنا أنها كفر بنعمة المنعم.
(٢) قوله: أن تتغير بتغيرها، أي: أن تتغير الشرائع بتغير المصالح.
(٣) يقال: القضية شرطية، وهي لا تدل على الوقوع.
(٤) الراوي عنه الباطنية أقماهم الله تعالى، فإن صحت فلعل خلافه في الوقوع دون الجواز، كما هو رأي أبي مسلم بن بحر الأصفهاني.
(٥) من حوراء أخرى، ثم تناسلوا بعد ذلك لا عن نكاح الأخوات. وهذه الرواية إن صحت تدل على أن جعفراً كان ممن يمنع النسخ في الشرائع لكنها إلخ. منهاج. الرواية إن صحت إنما تدل على أنه # كان ممن يمنع النسخ في هذا الحكم بخصوصه، فمن أين أخذ منعه للنسخ في الشرائع؟ إذ لا منافاة بين القول بجواز النسخ في بعض الأحكام وعدمه في بعض، كما لا يخفى. إفادة سيدي هاشم.
(٦) قال صاحب القسطاس ما لفظه: فإن قيل: كيف يتصور من مسلم إنكار النسخ وهو من ضروريات الدين، ضرورة ثبوت نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة بالأدلة القاطعة على حقية شريعتنا ونسخ بعض أحكام شريعتنا بالأدلة القاطعة من شرايعنا؟ قلنا: هو لا ينكر عدم بقاء الأحكام، وإنما ينازع في الارتفاع والانقطاع، فزعم أن حقية تلك الأحكام كانت مقيدة بظهور شريعتنا، وكذا في أحكام شريعتنا، ويجري الحال في ذلك كالحال في نحو: {أتموا الصيام إلى الليل}، =