[الباب الثامن النسخ]
  بعض أحكام الشرائع السابقة من شرائع الأنبياء $ بالأدلة القاطعة على حَقِّية شريعتنا، ونسخ بعض أحكام شريعتنا بالأدلة القاطعة منها، والله أعلم.
  وهو أيضا جائز (وَإِنْ لَم يَقَعِ الإِشعَارُ بِهِ) على المختار، فلا يشترط في جوازه ذلك.
  ومنهم من اشترط أن يقع الإشعار به (أَوَّلاً) أي: عند الابتداء بالتكليف بذلك المنسوخ، مثل قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً(١)}[النساء ١٥]، {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً(٢)}. [الطلاق ١] قالوا: لأن الظاهر من الأمر الدوام، والخطاب إنما يُراد به ظاهره، فلو لم يكن ثَمَّ إشعار لكان قد لبَّس على المكلف، وحمله على اعتقاد دوامه، وهو قبيح، فلا يجوز على الله تعالى؛ فيجب الإشعار بأن الحكم سينسخ؛ دفعا لهذا الظاهر.
  والجواب: أنا لا نسلم الإحتياج إلى ذلك(٣)؛ لأن لفظ الأمر لا يقتضي ذلك - أي: الدوام - لا لغة ولا عرفا، لا عاما ولا خاصا بأهل الشرع، فإذا اعتقد دوامه لغير دليل فقد أُتِيَ من جهة نفسه، لا من جهة الله تعالى؛ فحينئذ لا يجب الإشعار به.
  (و) المختار جواز (نسخِ مَا قُيِّدَ بِالتَّأْبِيدِ(٤)) إن كان التأبيد قيدا للفعل، مثل
= فكما أن قوله: {إلى الليل} غير ناسخ لوجوب صوم النهار، بل هو غاية له، كذلك الحكم فيما يعد ناسخاً؛ فيرجع النزاع لفظياً.
(١) قيل: السبيل: النكاح؛ لأنهن يعففن، وقيل: إنه الحد الذي في النور، وهي قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور ٢]، لما نزلت قال النبي ÷: «خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»، ثم إن الحبس نسخ، واختلفوا بم نسخ، فقيل: بآية النور؛ لأن الكتاب إنما ينسخ الكتاب، وهذا قول الشافعي، وهو محكي عن الإمام الهادي #، وأخيه عبدالله بن الحسين #. وقال شيوخ المتكلمين، وأبو طالب، والمنصور بالله: إن الكتاب ينسخ بالسنة إذا كانت متواترة. ثمرات مع اختصار.
(٢) هذا المثال لمجرد الإشعار.
(*) قوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق ١]، أي: يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم فيراجعها إلخ. كشاف.
(٣) أو يقال: يكفي الإشعار الجملي، وهو العلم بأن في شريعتنا الناسخ والمنسوخ، فحينئذٍ لا يحمل على الجهل.
(٤) خلافاً لبعض الفقهاء. فصول. قالوا: التأبيد معناه أنه دائم، والنسخ ينافي الدوام ويقطعه، فكان متناقضاً، فلم يجز على الله تعالى. قلنا: لا نسلم التناقض، فإن إيجاب الدوام إنما يناقضه عدم إيجاب =