[الباب الثامن النسخ]
  أن يقول: صوموا أبدا. والدليل على ذلك أنه قد ثبت جواز تخصيص العام المؤكَّد(١) بـ «كل» و «أجمعين»، فيجوز نسخ ما قيد من الفعل بالتأبيد؛ لأنه بمثابة التأكيد بـ «كل» و «أجمعين»، والنسخ والتخصيص واحد، غير أن أحدهما في الأعيان والآخر في الأزمان، وهذا لا يقتضي فرقا بينهما فيما ذكر. فإن كان التأبيد قيدا للوجوب، وبيانا لمدة بقاء الوجوب واستمراره: فإن كان نصًّا، نحو أن يقول: الصوم واجب مستمر أبدا - لم يُقبَل خلافه، وإن لم يكن نصًّا بل ظاهرًا، مثل: الصوم واجب في الأيام والأزمان، ونحو ذلك - قُبِل النسخ الذي هو خلاف التأبيد، وحمل ظاهر التأبيد على المجاز، كالتخصيص ونحوه. كذا قرره بعض المحققين(٢)، والله أعلم.
  (وَ) كذلك يجوز النسخ على المختار (إِلَى غَيرِ بَدلٍ)، يعني أنه يجوز نسخ التكليف من غير تكليف آخر بدل عنه. ومنعه الشافعي(٣)، وقال: لا ينسخ فرض إلا إذا ثبت مكانه فرض آخر. والصحيح هو الأول(٤)، والدليل على ذلك:
  أما أولا: فقد ثبت أن الأحكام مصالح، ويجوز انقضاء المصلحة ولا بدل لها، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع.
= الدوام، لا عدم دوام الإيجاب. قسطاس.
(١) نحو: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ٣٠ إِلَّا إِبْلِيسَ}[الحجر].
(٢) الحاصل أنه إن قيد الفعل بالتأبيد جاز نسخ الفعل المقيد به، و إن قيد الوجوب بالتأبيد، وكان القيد نصاً - لم يحز نسخه، وإن لم يكن القيد نصاً جاز نسخه.
(٣) الذي في الجمع أن الشافعي إنما يمنع الوقوع لا الجواز، والله أعلم.
(٤) وأما ما احتج به المخالف من قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة: ١٠٦]، ولا يتصور كونه خيراً أو مثلاً إلا في بدل - فإنه لا يصلح حجة للخصم؛ لأنه مأول بأن المراد: نأتِ بخير منها في الفصاحة والبلاغة، لا بحكم خير من حكمها، والخلاف إنما هو في الحكم، ولا دلالة عليه في الآية، سلمنا أن ا لمراد نأتِ بحكم لكنه عام يقبل التخصيص، فلعله خصص بما نسخ إلى غير بدل سلمنا بقاء العموم على ظاهره، فلعل النسخ إلى غير بدل خير للمكلف لمصلحة علمها الله، ولا نعلمها. قسطاس. باختصار. وفي الثمرات مالفظه: وقال بعضهم: لا بد من بدل؛ لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، أجيب بأنه تعالى لم يقل في موضع المنسوخ؛ فجاز أن يثبت حكماً مَّا في موضع آخر، وبأن الترك والتخفيف قد يكون خيراً في المصلحة.