الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب الثامن النسخ]

صفحة 374 - الجزء 1

  وأما ثانيا: فإنه قد وقع، وإنه دليل الجواز، وذلك كنسخ وجوب تقديم الصدقة قبل نجوى الرسول ÷ فإنه كان واجبا ثم نسخ إلى غير بدل. وكنسخ وجوب الإمساك بعد الفطر، كما قال جار الله: إنه كان الرجل إذا أمسى جاز له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة، فإذا صلاها أو نام ولم يفطر حرم عليه كل مفطر إلى القابلة، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ ...} الآية [البقرة ١٨٧] من غير بدل ونحو ذلك كثير.

  (وَ) كذا يجوز نسخ الحكم (الأَخَفِّ بِالحُكْمِ الأَشَقِّ، كَالْعَكْسِ) أي: كما يجوز العكس، وهو نسخ الأشق بالأخف.

  أما الثاني فاتفاق بين من أثبت النسخ. وكذلك النسخ بالمساوي.

  وأما الأول فمنهم من منعه. والصحيح الجواز، والدليل عليه: العقل والسمع.

  أما العقل فلما ثبت من أن الأحكام مصالح، ولا مانع من أن تكون المصلحة بالأشق بعد الأخف أكثر، وذلك كما ينقلهم من الصحة إلى السقم، ومن الشباب إلى الهرم⁣(⁣١)، وهذا واضح.

  وأما السمع فأدلته كثيرة، منها: نسخ التخيير بين الصوم والفدية الثابت بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ..} الخ [البقرة ١٨٤]، أي: على المطيقين للصيام الذين لا عذر لهم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}⁣[البقرة ١٨٥]، ولا شك أن التزام أحد الأمرين أشق من التخيير بينهما.

  ومنها: نسخ صوم يوم عاشوراء بصوم شهر رمضان؛ وصوم شهر أشق من صوم يوم واحد.

  ومنها: نسخ وجوب الكف عن قتال المشركين الثابت بقوله تعالى: {وَدَعْ


(١) لأنه تعالى علم أن السقم والضعف أصلح. ويلزم المخالف في ابتداء التكليف؛ لأن الناس في سعة الإباحة فنقلهم إلى التكاليف الشاقة أبعد عن المصلحة. أصفهاني.