[الباب الثامن النسخ]
  أَذَاهُمْ}[الأحزاب ٤٨]، ونحوها - بإيجاب القتال بآيات كثيرة، مع التشديد فيه؛ حتى أوجب ثبات الواحد للعشرة، ثم للاثنين، وهو أثقل من الكف. ونحو ذلك كثير.
  واعلم أن المراد بالعكس في قوله: «كالعكس» مجرد تقديم ما أخَّر وتأخير ما قدَّم، لا معناه الاصطلاحي، أعني تبديل طرفي القضية كما تقدم بيانه، وتسمية ذلك عكسا تجوز؛ للمناسبة بينهما والله أعلم.
  (و) يجوز نسخ (التِّلاوَةِ) فلا يبقى اللفظ قرآنا، (وَالحُكْمِ) فلا يبقى حكما معمولا به (جَمِيعاً) أي: حال كون النسخ لهما جميعا، وذلك كما روى مسلم عن عائشة(١) أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن «عشر رضعات محرِّمات» ثم نسخن بخمس، فقد نسخ تلاوته وحكمه(٢).
  (و) يجوز أيضا نسخ (أَحدِهِمَا دُونَ الآخَرِ(٣))، أي: إما التلاوة فلا يبقى اللفظ قرآنا، دون الحكم فيبقى، وإما الحكم دون التلاوة، بأن يبقى اللفظ قرآنا يتلى معجزا ولا يبقى الحكم الدال عليه.
(١) قال الإمام المهدي # في المعيار والمنهاج ما لفظه: قلت: وهذه الرواية التي حكيناها عن عمر وعائشة إنما جئنا بها أمثلة فقط لما ذكرنا من نسخ التلاوة دون الحكم، ومن نسخهما جميعاً؛ إذ لم نقطع بصحتها، ولهذا خالفنا حكمها، ولأنا لو حكمنا بصحتها كنا قد أثبتنا بعض القرآن آحادياً؛ لأن نقل هذه ليس بمتواتر، ويحتمل أن يقال: لا مانع من كونها كانت قرآناً قبل نسخ تلاوتها، ولا يؤدي تجويز ذلك إلى أمر ممتنع، وبعد نسخ تلاوتها لا يحكم بأنها قرآن، لكن في ذلك بُعْد من جهة لفظها؛ فإنها تخالف لفظ القرآن في البلاغة والفصاحة، والأقرب أنها ليست من القرآن، ويحتمل أن قول عمر «كان فيما أنزل» أراد فيما أنزل على محمد ÷ من الشريعة لا آية من القرآن، وقد ذكر ذلك أبو الحسين في المعتمد، لكنه روى عن عمر أنه قال: لولا أن يقال: زاد عمر في المصحف لأثبت في حاشيته «الشيخ والشيخه ... إلخ». قلت: وكلامه يحتمل أنه عنده من القرآن لولا خاف أن تلحقه التهمة لأثبته فيه، ويحتمل أنه عنده من السنة وأراد إثباته في حاشية المصحف ليحفظ لولا خاف أن يتوهم فيه أنه يحعله من القرآن فيزاد فيه ما ليس منه.
(٢) والمنسوخ ليس إلا مفهوم العدد، وأما منطوقه فمحكم.
(٣) وخالف بعضهم في الجواز، لنا: أنا نقطع بالجواز؛ فإن جواز تلاوة الآية حكم من أحكامها، وما تدل عليه من الأحكام حكم آخر، ولا تلازم بينهما؛ فإذا ثبت ذلك فيجوز نسخهما ونسخ أحدهما كسائر الاحكام المتباينة؛ إذ المعتبر المصلحة كما سبق، وقد تكون كذلك. ولنا: أيضاً الوقوع كما مرّ، وأنه دليل الجواز. قسطاس.