[الباب الثامن النسخ]
  أن يقول يوم عرفة من قبل انقضاء زمان يتسع لأسباب الحج: لا تحجوا. والدليل على ذلك أنه لو صح نسخ الشيء قبل إمكان فعله إذاً لنهى عن نفس ما أمر به، أو العكس، فيكون: إما بداءً حيث تبين له من بعدُ القبحُ أو الحسن، أو قصداً إلى النهي عن الحسن أو الأمر بالقبيح، أو عبثا(١) حيث لم يتبين له(٢) ما لم يكن عرفه مما ذكر(٣)؛ وكلٌّ من ذلك محال في حقه تعالى، وما أدى إلى المحال فهو محال(٤)؛ فيكون النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ حتى نسخ محالا؛ لأن المكلف مع عدم التمكن منه غير مكلَّف به، فلا نسخ، وإن كان قد كلِّف به ولم يتمكن منه فهو بداء(٥) كما بينا.
  وأما بعد التمكن فيجوز، سواء كان قبل فعله أو بعده، فلا يشترط الفعل.
(١) في الغاية: ويمتنع النسخ قبل الإمكان؛ للزوم البداء أو العبث. قال في الشرح: يعني لو صح نسخ الشيء قبل إمكان فعله لكان نهياً عن نفس ما أمر به أو أمراً بنفس ما نهى عنه، فإن كان ذلك لأنه ظهر من بعد القبيح أو الحسن كان بداء، وإن كان لأنه لم يظهر له شيء من ذلك كان عبثاً وتجهيلاً، والكل على الله محال.
(٢) والمعروف في نفس العبث أن يأمر بشيء أو ينهى عنه مع علمه بأنه لا مصلحة فيه. شامي.
(٣) بيان ذلك أنه لو قال لنا في صبيحة يومنا: صلوا عند غروب الشمس ركعتين بطهارة، ثم قال عند الظهر: لا تصلوا عند غروب الشمس - لتناول الأمر والنهي فعلاً واحداً، على وجه واحد، في وقت واحد وصدرا من مكلِّفٍ واحد إلى مكلَّف واحد، وفي ذلك دليل إما على البداء، وإما على القصد إلى الأمر بالقبيح أو النهي عن الحسن، وعبثاً حيث لم يتبين له ما لم يمكن عرفه من القبح أو الحسن ... إلخ. ح السيد داود. قوله: «وعبثاً» كذا بخط المؤلف، وله وجه يظهر بالتأمل.
(٤) لا يقال: إن ذلك مشتمل على فائدة التكليف التي هي الابتلاء، فيصير مطيعاً أو عاصياً بالعزم على الفعل أو الترك، وبالبشرى وبالكراهة، فيكون أسبق الخطابين موجهاً إلى العزم، والآخر إلى الفعل، فلم يتواردا في محل واحد، فلا يؤدي ما ذكرتم؛ لأنا نقول: إن وجوب العزم فرع على وجوب المعزوم عليه، فإذا لم يجب لم يجب العزم؛ فلا يطيع ولا يعصي به، سلّمنا فالتعبير بالفعل عن العزم إلغاز وتعمية؛ إذ لم يوضع له ولا هو يفهم منه، وكذلك نقول حيث قيل: إنما يتناول الأمر اعتقاد وجوبه. قسطاس.
(٥) صوابه فهو تكليف ما لا يطاق، وأما البداء فلا مدخل له هنا، والله أعلم. لعل الشارح أراد بقوله: «لأن المكلف مع عدم التمكن منه» أن تحصيل النسخ قبل دخول الوقت، وبقوله وإن كان قد كلف ... إلخ، أن يحصل النسخ بعد دخول الوقت وبقوله: «وإن كان قد كلف ... إلخ» أن تحصيل النسخ بعد دخول الوقت قبل أن يمضي ما يتسع للفعل فيستقيم كلامه وليتأمل.