الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب الثامن النسخ]

صفحة 379 - الجزء 1

  ومنهم من جوز النسخ قبل الإمكان؛ وأقوى حججهم على ذلك ما احتجوا به من أن إبراهيم # أُمِر⁣(⁣١) بذبح ولده، ثم نسخ قبل التمكن!

  والجواب: أنا لا نسلم أن إبراهيم # أُمر بالذبح على الحقيقة، وإنما أُمر بما فعله من إضجاع ولده وأخذ المدية فقط؛ بدليل قوله تعالى: {.. يَا إِبْرَاهِيمُ ١٠٤ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا(⁣٢)}⁣[الصافات ١٠٥]، وهو لم يذبح. وإن سلمنا أنه أُمر به فلا يخلو الأمر: إما أن يكون مؤقتاً أوْ لا؟

  والأول باطل؛ إذ ليس في الآية ما يدل على التوقيت، وإن كان مطلقا - كما هو الظاهر - فلا حجة لهم فيه؛ إذ ليس مما نحن بصدده؛ لأن الخلاف في الفعل المؤقت قبل دخول وقته، أو بعد دخول الوقت قبل انقضاء زمان يسع المأمور به، والفعل هاهنا مطلق موسع غير مضيق؛ بدليل: {فَانظُرْ مَاذَا تَرَى(⁣٣)}⁣[الصافات ١٠٢]، ولو كان مضيَّقا لما اشتغل عنه بمراودته، وحينئذ فالغرض حصول الفعل، فيجوز أن


(١) بدليل قول إسماعيل: افعل ما تؤمر، وبدليل إقدامه عليه، ولو لم يتيقن الأمر لم يجز له الإقدام عليه، ولا ترويع الولد. منهاج.

(٢) يعني فلم يؤمر إلا بمقدمات الذبح، وقد فعل. قال النجري في شرح الخمسمائة آية: وهذا بعيد، وإلا لما كان للفداء فائدة، ولقوله: افعل ما تؤمر، ولقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}⁣[الصافات ١٠٦]، وإنما يكون كذلك إذا أُمِرَ بالذبح لا بمقدماته.

(٣) وكذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}⁣[الصافات ١٠٣] يقتضي أنهما تراخيا حتى وطنا أنفسهما على الصبر والامتثال، ونسخ الشيء بعد إمكان فعله جائز؛ إذ لا يكون بداء؛ لتغاير وقتي الناسخ والمنسوخ. وأجابوا بأن هذا التوسيع لا يمنع تعلق الوجوب بالمستقبل؛ لأن الوجوب باقٍ عليه، وهو المانع من النسخ، أي: والمانع من النسخ تأخر وقت وجوب المنسوخ؛ إذ لم يمنعوا من نسخ الشيء إلا قبل حضور وقته الذي يجب فيه، والتوسيع لا يمنع تعلق الوجوب بالمستقبل، فالوجه الذي منعتم لأجله النسخ باقٍ على مع التوسيع، وهو تأخبر وقت وجوب المنسوخ عن وقت ورود الناسخ، قلنا: لا نُسلّم أن ذلك هو المانع؛ لأنا لا نمنع من النسخ قبل الفعل لأجل تأخر الفعل، بل حيث لا يتمكن المكلف من من فعل المنسوخ حتى نسخ؛ لأنه مع عدم التمكن منه غير مكلف به فلا نسخ، وإن كان قد كلف به ولم يتمكن منه حتى نسخ فهو بداء. منهاج.