الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[الباب الثامن النسخ]

صفحة 380 - الجزء 1

  يكون قد مضى وقت يمكن فيه إيجاد الفعل، فالنسخ بعد التمكن⁣(⁣١) لا قبله⁣(⁣٢)، وذلك جائز كما بينا، والله أعلم.

  (وَالزِّيَادَةُ عَلَى العِبَادَةِ نَسخٌ لَهَا) أي: للعبادة المزيد عليها، لكن لا مطلقا، بل: (إِنْ لَمْ يُجْزِ المَزيدُ عَلَيهِ بدونها) أي: إن كان الزائد مخرِجا للأصل عند الاعتداد به، بحيث يجب استئنافه لو فعل وحده وقد كان يفعل أولاً وحده ويجزي، فحينئذ يكون نسخا، وذلك كزيادة ركعة أو ركوع أو سجود في إحدى الصلوات الخمس، وكزيادة ركعتين في الرباعية، فإنه روي أنها فرضت مثنى مثنى فزِيدت في الحضر، فإن هذه الزيادة تبطل إجزاء المزيد عليه، وذلك واضح. وإن لم يكن كذلك، بل كان فعله معتدا به دون الزائد، وإنما يلزم ضم الزائد إليه، ولا يجب الاستئناف - فلا يكون نسخا، وذلك كزيادة عشرين جلدة في حد القاذف، وزيادة التغريب على الجلد في الزاني⁣(⁣٣). وإنما كانت الزيادة على العبادة


(١) ومن شبه من أجاز النسخ قبل الإمكان: حديث المعراج، فإنه يدل على نسخ الزائد على الخمس من الخمسين قبل التمكن من الفعل. والجواب أنه آحادي لا يثبت بمثله مثل هذا الأصل، مع أنه يستلزم النسخ قبل بلوغه المكلفين وعقد قلوبهم على الامتثال، ولا قائل به، فيجب تأويله بأن المراد من فرض الخمسين أن المفروض من الصلوات الخمس ثوابه ثواب الخمسين، وبين ذلك بالاقتصار على خمس قبل وقت الإمكان. ويتأيد هذا التأويل بأن حديث المعراج متأخر عن شرع الصلاة، فإن المشهور أن رسول الله ÷ وأصحابه كانوا يصلون الخمس قبل ذلك بمدة مديدة. شرح غاية. قوله في الحاشية: والجواب أنه آحادي لا يثبت بمثله مثل هذا ... إلخ، أما الرد بكون الخبر آحاياً ففيه ما فيه؛ لأن قصة الصلاة مذكورة في جميع طرق الحديث، وهو متواتر، وقد يقال: الأولى في الجواب أن النسخ لوجوب التبليغ منه #، فإنه أمر أولاً بتبليغ الخمسين، ثم نسخ، فأُمِر ثانياً بتبليغ الخمس لا غير. ولو قيل: إنه تعالى أمره بها أمراً مشروطاً بقبوله وعدم مراجعته، فلم يبرم الأمر حينئذٍ، ويكون ذلك من نحو جوابه عن فريضة الحج: اتركوني ما تركتم لم يبعد. من خط الشامي. ولعله أصلح، وأما قوله في الحاشية الأولى: إن المنسوخ هو تكليفه بالتبليغ إلينا فيرد عليه ما يرد على المسألة، فإنه نسخ قبل تمكنه من التبليغ فتأمله، فالوجه هو ما ذكر من كلام الشامي، والله أعلم. منقوله.

(٢) وتأول بعضهم الآية بأنه قد وقع الذبح إلا أنه كلما انقطع شيء وصله الله تعالى والْتحم، وهذا بعيد، و إلا لما كان للفداء فائدة. ح. خمسمائة آية.

(٣) في شرح الغاية: قد نص أكثر أصحابنا على أنه لا نسخ في زيادة العشرين والتغريب في حد القاذف والبكر، وهو مبني على بطلان مفهوم العدد، وأما إذا أثبتناه كان المنع من الزيادة مستفاداً من جهة =