[الباب الثامن النسخ]
  نسخا في الأول دون الثاني لأنه ارتفع بها في الأول حكم شرعي، وهو الإجزاء، فإن زيادة ركعة على الفجر - مثلا - تبطل إجزاء الركعتين لو اقتصر عليهما المصلي، وتوجب استئناف ثلاث ركعات متوالية. بخلاف الثاني، فإن الزيادة لم ترفع حكما شرعيا، بل عقليا(١). ومدار النسخ على كون المرتفع بالناسخ حكما شرعيا، والله أعلم.
  وهذا في الزيادة الغير المستقلة، وأما زيادة عبادة مستقلة على ما قد شرع من العبادات المتسقلة فليس نسخا على الصحيح(٢)، كما إذا زِيدَ على الصلوات الخمس صلاة سادسة.
  ومنهم من قال: بل ذلك نسخ؛ لأنه يخرج بزيادة صلاة سادسة - مثلا - الوسطى عن كونها وسطى، فيبطل وجوب المحافظة عليها، وذلك حكم شرعي.
  والجواب: أنه لا يبطل وجوب ما صدق عليها أنها وسطى، وإنما يبطل كونها وسطى، وليس حكما شرعيا(٣). وكذا لو خُيِّر المكلف بين شيئين أو ثلاثة، ثم زِيدَ عليها واحد - فإن تلك الزيادة نسخ على الصحيح. مثاله: تخيير المكلف في خصال الكفارة بين ثلاثة أشياء: العتق، والكسوة، والإطعام - فإنه يقتضى تحريم
= الشرع، فإذا ثبتت الزيادة بطريق شرعي متراخٍ كان نسخاً.
(١) وهو عدم ثبوت زيادة على الثمانين، وعدم ثبوت التغريب.
(٢) مسألة: اتفق الكل على أن الزيادة إذا كانت عبادة منفردة عن العبارة المزيد عليها أنه لا يكون نسخاً لحكم المزيد عليه، إلا ما يحكى عن بعض العراقيين من الحنفية أن زيادة صلاة سادسة على الصلوات الخمس تكون نسخاً؛ لأنها تخرج الوسطى عن كونها وسطى، فيبطل وجوب المحافظة عليها الثابت بقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة ٢٣٨]. والجمهور على أنها ليست نسخاً؛ لأن الزيادة إنما تبطل كونها وسطى، و إبطال وصف الوسطى لا يبطلها، أي: الصلاة الموصوفة بالوسطى، يعني أنه لا يبطل حكمها الشرعي الذي هو الوجوب، وإنما يبطل وصفها بالوسطى، وليس حكماً شرعياً. شرح غاية.
(٣) ولو قيل في الجواب: إنما يبطل بزيادة السادسة كونها وسطى كما ذكر، وليس العلة في وجوب المحافظة عليها هو مجرد ذلك، بل العلة أفضليتها حيث أريد بها المتوسطة من الخمس، وهي معلومة عند الله تعالى وفي التبليغ، وإن أريد بالوسطى الخيار فالأمر واضح، فتأمل، أعني أن الزيادة لا تبطل كونها خياراً. شامي.