[فائدتان في الاجتهاد]
  فيعطيك سلبه، فقال ÷: «صدق». وكحكم سعد بن معاذ في بني قريظة في حضرته ÷ بقتلهم وسبي ذراريهم، فقال ÷: «لقد حكمت بحكم الله(١) من فوق سبعة أرقعة».
  (و) المختار أيضا (أَنَّ الحَقَّ فِي) المسائل (القَطعِيَّاتِ(٢)) - وهي التي تكليفنا متعلق فيها بالعلم اليقين، ولا يكفي فيها الدليل الظني، بل لا بد من القطعي، وهي المسائل العقلية الكلامية - (مَعَ وَاحِدٍ، وَالمُخَالِفُ مُخْطِ آثِمٌ)، سواء اجتهد أوْ لم يجتهد.
(١) وفي رواية بحكم الملك. شرح غاية. قال السعد في حاشية العضد ما لفظه: وفي الكتب المعتبرة في الحديث لقد حكمت بحكم الملك، بكسر اللام، وروي بفتحها.
(٢) والمراد بها ما دل عليه دليل قاطع من عقل أو سمع، فالأول - وهوالعقلي - ما لا يتوقف على السمع، كحدوث العالم وغيره من مسائل الكلام، فالحق فيها مع واحد، والمخالف كافر إن اقتضى خلافه إنكار الصانع ونفي ملة الإسلام وتكذيب الرسل. والثاني - وهو السمعي - إما أن يكون معلوماً من ضرورة دين الإسلام كأركان الإسلام الخمسة، وتحريم القتل، وشرب الخمر، وإن اتفق في أوائل الإسلام من بعض الصحابة تحليلها على جهة التأويل فقد الْتحقت بالأحكام الخمسة، وهذه المخالف فيها كافر؛ لأنه يلزم من ذلك تكذيب الرسول ÷ لما علم بالضرورة من الدين، وأما ما عدا ذلك من المسائل القطعية سواء كانت من الأصول أو الفروع فالمخالف مخطٍ آثم على قول من يدعي أن المخالفة في القطعي تكشف عن تقصيره في البحث، وقيل: بل غير مخط ولا إثم عليه إن لم يقصر في البحث. ولا معنى لهذا التقييد؛ إذ التقصير في البحث أمر خفي، وإلا فالظاهر أن من ذاق حلاوة الإيمان وتحلى بحلية العلم لا يحكم في المسألة القطعية بحكم قبل أن يبلغ فيها غاية جهده ومنتهى نظره، وإنما الحكم عليه بالخطأ لأن التصويب في ذلك يؤدي إلى الجمع بين المتناقضين؛ إذ لا يخلو في نفس الأمر عن أحد الأمرين، وقد نقل الخلاف عن الجاحظ بأنه لا إثم في القطعيات على المجتهد، وحكوا ذلك عنه على جهة التعميم، يعني ولو كان كافراً، وزاد العنبري فقال: هو مصيب. فإن أراد أنه مصيب من الإصابة للشيء كان ذلك خروجاً عن دائرة المعقول، إذ يلزم الجمع بين المتناقضين، وإن أراد أنه مصيب من الصواب الذي هو ضد الخطأ عاد كلامه إلى كلام الجاحظ، بل لا يتصور حمل كلامه إلا عليه، بل المتعين أن يحمل خلافهما أن ذلك من مجتهدي ملة الإسلام، وكيف يتصور من مسلم تصويب اليهود والنصارى، وعبّاد الأوثان، وغير هؤلاء من الملل الكفرية، ويقول: إنهم غير آثمين. وقد نقل ابن قتيبة عن العنبري انه نقل عن أهل القدر والجبر فقال: إن كلاً منهما مصيب، وهؤلاء عظموا الله، وهؤلاء قوم نزهوا الله تعالى؛ فهذه قرينة أنه أراد تصويب مجتهدي المسلمين. فواصل بلفظها.
(*) لفظ شرح القاضي: عقلية أو سمعية، كلامية أو أصولية أو فقهية. ونقل هذا الشارح من القسطاس، أعني قوله: العقلية الكلامية.