الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[فائدتان في الاجتهاد]

صفحة 396 - الجزء 1

  يعني أن الحق فيها مع واحد، فمن أصابه فقد أصاب الحق، ومن أخطأه فقد أخطأ؛ فإن كان فيما يرجع إلى الله ورسوله فكفر، وإلا فابتداع.

  (فَأمَّا) المسائل (الظَّنِّيَّةُ) أي: التي تكليفنا متعلق فيها بالظن، ولا يُحتاج فيها إلى دليل قطعي، بل دليلها ظني، (العَمَلِيَّةُ) أي: التي المطلوب فيها العمل دون الاعتقاد (فَكُلُّ مُجْتَهِدٍ فِيهَا مُصِيبٌ(⁣١))، أي: لا حكم لله تعالى فيها قبل الاجتهاد، وإنما المطلوب من كلٍٍّ ما أداه إليه نظره؛ فمراد الله تعالى وحكمه فيها تابع للظن⁣(⁣٢)، لا أن الظن تابع لمراده تعالى. فما ظنَّه فيها كل مجتهد فهو حكم لله تعالى فيها في حقه وحق مقلده.

  والدليل على أن ما ذكر هو المختار في الطرفين جميعا:

  أما الطرف الأول أعني كون الحق في القطعية مع واحد⁣(⁣٣) - فالدليل على ذلك أنا لو قلنا: كل مجتهد مصيب، وأن الحق فيها ليس واحدا - لأدى ذلك إلى الحكم بإجتماع النقيضين، وهو محال، كما إذا قلنا بصحة قول من يقول بحدوث العالم، وقول من يقول بقدمه؛ لحكمنا بصحة الحدوث والقدم، وجتماعهما، وهو محال. ونظائر ذلك كثيرة.

  وأما الطرف الثاني فيدل عليه أمران: عقلي، ونقلي.


(١) وقال الجمهور بوحدة الحق وتخطئة البعض، وعليه المتأخرون من الحنفية والشافعية والمالكية، وقال ابن السمعاني: إنه ظاهر مذهب الشافعي، ومن حكى عنه غيره فقد أخطأ، وبه قال والدنا المنصور بالله #، وهو الذي نختار. شرح غاية. وقال فيه (تنبيه): أجر المخطيء على بذل الوسع لا على نفس الخطأ؛ لعدم مناسبته، ولأنه ليس من فعله. والمصيب يتعدد الأجر في حقه، فله أجر على بذل الوسع كالمخطيء، وأجر أو أجور إما على الإصابة؛ لكونها من آثار صنعه، وإما لكونه سن سنة حسنة يقتدي بها من يتبعه من المقلدين؛ لإهتدائهم به، لمصادفتهم الهدى. ومقلد المخطيء لم يحصل على شيء، غاية الأمر سقوط الحق عنه باعتبار ظنه أنه على الحق. بلفظه.

(٢) يقال: إطلاق هذا اللفظ غير مستحسن، وإنما يقال لله تعالى فيها أحكام مختلفة باختلاف اجتهاداتهم؛ إذ علمه سابق ومحيط، ويؤدي كل واحد منهم اجتهاده إليه فلله حكم معين من كل واحد باعتبار ما علم منه فتأمل. شامي.

(٣) في المخطوطتين: كون الحق في القطعية واحد.