الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[فائدتان في الاجتهاد]

صفحة 397 - الجزء 1

  أما النقلي فتحريره أن يقال: كل مسألة من الأحكام العملية وغيرها⁣(⁣١) نحن مكلفون بها، ولا دليل عليها قاطع - لا يخلو: إما أن يكون مراد الله تعالى منا فيها متعينا في علمه أوْ لا، ولا قسم ثالث.

  إن كان⁣(⁣٢) الأول - أعني أن مراد الله تعالى متعين - فلا يخلو أيضا: إما أن يكون المطلوب منا في معرفته - أي: مراده تعالى - الوصول إلى العلم اليقين أوْ لا، ولا ثالث.

  الأول باطل، أعني أن يكون المطلوب منا الوصول إلى العلم اليقين؛ لتضمنه تكليف ما لا يطاق؛ إذ المفروض أن لا دليل عليها قاطع، فلا يكون ثَمَّ طريق موصل إلى العلم؛ إذ الموصل إليه هو القاطع، والمفروض عدمه.

  وإن كان الثاني - أعني ليس المطلوب منا في معرفته الوصول إلى العلم اليقين، بل الظن فقط - فلا يخلو:

  إما أن ينصب لنا أمارة تثمر الظن المتعلق بما أراده تعالى منا فيها أوْ لا.

  إن كان الثاني - أعني لم ينصب لنا أمارة كذلك - فباطل أيضا؛ لأنه إما أن لا يكون له منا فيها مراد نحن مكلفون به - فهو خلاف الفرض؛ إذ المفروض أنا مكلفون بها. وإن كان له منا مراد فيها ولا دلالة عليه ولا أمارة - فتكليفنا بمراده تعالى بعينه تكليف بما لا يطاق، وذلك واضح.

  وإن نصب لنا أمارة تثمر الظن فقط بمراده في ذلك فلا يخلو: إما أن يريد منا تيقن إصابة الظن المطابق لمراده تعالى المتعين أوْ لا.

  إن أراد منا ذلك أدى إلى أحد باطلين؛ لأنه إما أن يريد منا تيقن إصابة الظن المطابق لمراده تعالى - لزم أن يكون عليه دليل قاطع حتى يحصل التيقن، وذلك يستلزم كون ذلك الظن علما؛ لِعِلمنا مطابقته لمتعلقه، وهذه هي حقيقة العلم كما تقدم في صدر الكتاب، وهذا باطل؛ لأن الظن غير العلم قطعا.


(١) ينظر ما المراد بالغير. لعله أراد بعض مسائل أصول الفقه كما ذلك معلوم في مظانه.

(٢) أي: إن كان الثابت والواقع الأول.