الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[فائدتان في الاجتهاد]

صفحة 398 - الجزء 1

  أوْ لا يريد منا تيقن إصابة الظن المطابق لمراده تعالى، وإنما يريد منا ظن إصابته، سواء أصبناه أو لم نصبه - لزم⁣(⁣١) من ذلك أن يكون مراده تعالى منا إنما هو ما ادنا إليه اجتهادنا، ولا مراد له منا سوى ذلك؛ لأن إرادة ما سواه إن تعلق بها تكليفنا - أي: كنا مكلفين بذلك - فهو تكليف ما لا يطاق⁣(⁣٢)؛ من حيث إنه أراد منا ظن إصابة الظن المطابق لمراده تعالى، وهذا يلزم منه أن مراده منا ما أدانا إليه الاجتهاد وهو يريد منا سوى ذلك.

  وإن أراد منا سوى ما أدانا إليه اجتهادنا، ولم يتعلق به تكليفنا - فإرادته عبث، وهو قبيح، والله تبارك وتعالى يتنزه عن ذلك، وهذا أيضا باطل كما ترى؛ فبطل بما ذُكِر أن يكون مراد الله في تلك المسائل متعينا في علمه تعالى.

  وأما إذا لم يكن له منا تعالى في تلك الأحكام التي لا دليل عليها قاطع مراد معين: فإما أن يكون علينا فيها تكليف أو لا.

  إن لم يكن علينا فيها تكليف فلا إشكال، وهو خلاف الفرض؛ لأن المفروض أنا مكلفون بها. وإن كان علينا فيها تكليف أراده منا: فإما أن ينصب لنا أمارات ويأمرنا بالعمل بما أدتنا تلك الأمارات إليه من الظنون أو لا.

  إن لم ينصب كان التكليف بالعمل بها حينئذ تكليف ما لا يطاق.

  وإن نصب فالعامل بما أدى إليه اجتهاده حينئذ قد أصاب مراد الله تعالى؛ إذ قد عمل بمقتضى الأمارة التي نصبها تعالى، وليس له تعالى فيها مراد متعين، وذلك واضح لا إشكال فيه؛ فيلزم من ذلك أن يكون كل مجتهد مصيبا؛ لأنه قد فعل مراد الله تعالى من غير شك.

  فهذا هو الدليل العقلي على أن كل مجتهد في المسائل الظنية العملية مصيب.


(١) يقال: لا يلزم ذلك فتأمل. من خط السيد محمد بن إ براهيم بن المفضل.

(٢) يقال: نحن مكلفون بظن إصابته وإن لم يطابق، وليس من تكليف ما لا يطاق؛ حيث لم يرد منا علم إصابته بل ظنها.