الكاشف لذوي العقول،

أحمد بن محمد لقمان (المتوفى: 1039 هـ)

[فائدتان في الاجتهاد]

صفحة 400 - الجزء 1

  فتوقف رسول الله ÷ في تصويب أيهما، حتى نزلت الآية مصرَّحا فيها بأنه أراد من كل واحد منهما ما أداه إليه نظره؛ لقوله تعالى: {فَبِإِذْنِ اللَّهِ}، ولا أذن منه تعالى في تلك الحال إلا الإرادة، فكذا حال المجتهدين في المسائل الظنية.

  قلت: ومما يدل على الإصابة أيضا قوله تعالى في قصة موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام، حيث قال حاكيا: {.. مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ٩٢ أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ٩٣}⁣[طه ٩٣]، فقال هارون #: {.. إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}⁣[طه ٩٤].

  ووجه الاستدلال بها: أنه أخبر هارونُ # أن عدم اتباعه لأخيه كان عن اجتهاد - وهو أنه ظن أنه إن اتبع أخاه لَامَهُ على مفارقة بني إسرائيل - لا عن وحي؛ بدليل قوله: {إِنِّي خَشِيتُ}؛ إذ الخشية عبارة عن الظن، ولم يعترضه موسى #، بل قَبِلَ ذلك منه وصوبه وقرره تعالى، فدل ذلك على أنه مصيب في اجتهاده⁣(⁣١)، وأن كل مجتهد مصيب، فتأمل! والله أعلم.

  ومما يدل على الإصابة أيضاً⁣(⁣٢) قوله ÷: «أصحابي⁣(⁣٣) كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم»، فدل ذلك على أن كل مجتهد منهم مصيب؛ إذ لو كان الحق مع واحد وغيره مخطٍ في اجتهاده - لم يكن في متابعته هدى؛ إذ الهدى إنما يكون في متابعة المحق دون المخطئ، وقد جعل ÷ الهدى في متابعة أيهم كان، واختلافهم في المسائل الظنية معلوم، فدل ذلك على إصابتهم جميعا فيها، وذلك واضح كما ترى.


(١) لعله يريد: وشرع من قبلنا يلزمنا ما لم ينسخ، والله أعلم. لكن هذا لا دليل فيه على ما ذكره إلا لو بقيا على الاختلاف بعد إبانة الوجه من هارون المقتضي لتخلفه عن اللحوق بأخيه، وأما حيث عذر هـ لذلك الوجه فقد اتفقا على أنه الحكم والوجه المطلوب، فتأمل. شامي.

(٢) نسخة.

(٣) قد تقدم في باب القياس قبل الباب الثالث في المنطوق والمفهوم ما يفيد تضعيف هذا الحديث من طرق شتى، فابحث عنها هنالك، وهو كلام جيد للإمام القاسم #.