[فائدتان في الاجتهاد]
  فهذه الأدلة التي ذكرناها هي أقوى ما يُستدل به على الإصابة؛ لظهورها في ذلك. وقد يُستدل بغيرها، لكن يمكن الجواب عليها بأدنى نظر، فتركناها لعدم الحاجة إليها، وخشية التطويل بذكرها لغير فائدة، والله أعلم.
  (وَ) المختار عند الجمهور أيضا (أنَّهُ) أي: الشأن (لاَ يَلْزَمُ المُجْتَهِدَ) إذا كان قد اجتهد في حادثة ووفَّى الاجتهاد حقه فأداه نظره فيها إلى حكم - فإنه لا يلزمه حينئذ (تَكْرَارُ النَّظَرِ) في وجه الاستنباط (لِتَكَرُّرِ الْحَادِثَةِ) بعينها، بل يكفيه النظر الأول فيها إذا كان ذاكرا لما مضى من طرق الاجتهاد، وما قضى به رأيه فيها، فيفتي به؛ إذ قد اجتهد فيها الاجتهاد الأول وإن جوزنا ما يقضي ببطلانه، لكن الأصل عدمه(١). وأيضا لو وجب التكرار لذلك التجويز لوجب تكرار النظر أبدا وإن لم تتكرر الواقعة؛ لأن تجويز ما يقضي بالتغيير محتملٌ أبدا، غير مقيد بتكرر الواقعة، والاتفاق على بطلانه، والله أعلم.
  فإن نسي ذلك لزم استئناف الاجتهاد، فإن تغير اجتهاده لزمه العمل بالثاني.
  (وَ) المختار عند جمهور العلماء: (أنَّهُ) أي: المجتهد إذا استدل بدليل (يَجبُ عَليهِ البَحْثُ عَن النَّاسِخِ) لذلك الدليل، هل هو موجود أم لا (وَ) كذلك (المُخَصِّصِ لَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ عَدَمَهُمَا)، أي: الناسخ والمخصص، يعني أن المجتهد إذا أراد أن يستدل بدليل: فإن كان نصا في المقصود أو ظاهرا فيه - لم يستدل به حتى يعلم أو يظن أنه غير منسوخ ولا متأول بتأويل يخالف ظاهره، وإن كان عامًّا فلا بد أيضا أن يعلم أو يظن هل هو مخصص أم غير مخصص.
  وقد روي عن الصيرفي أن ذلك لا يجب، وقد تقدم في باب العموم استيفاء
(١) وقال الشهرستاني: إنه حينئذٍ يلزمه. قلنا: إنه قد اجتهد مرة وطلب كل ما يحتاج إليه في تلك المسالة، وإنه بقي احتمال أن يوجد غير ذلك لم يطلع عليه، لكن الأصل عدم ذلك. حجته أنه يحتمل أن يتغير اجتهاده كما نراه كثيراً، ومع الاحتمال فلا بقاء للظن، فينبغي أن يجتهد فيرى هل يتغير أو لا؟ فإذا لم يتغير استمر ظنه. قلنا: لو كان السبب في وجوب تكراره احتماله تغير الاجتهاد لوجب النظر ... إلخ. معيار، وقسطاس.