[معرفة الآخرة]
  معرفة الدنيا - معرفة الآخرة - عمل من وعد بهذين الدارين
[معرفة الدنيا]
  قال العالم: فكيف عرفت دنياك؟
  قال الوافد: عرفت فناها وتقلبها وغدرها وخدائعها فحذرتها، ونظرت وميزت فإذا الدنيا تغر طالبها، وتقتل صاحبها، تفرق ما جمع، وتغير ما صنع، فعرفت أنها تفعل بي كما فعلت بالأولين.
[معرفة الآخرة]
  قال العالم: فكيف عرفت آخرتك؟
  قال الوافد: عرفت أنها منقلة باقية فيها الحسنات والعقاب، والمجازاة والثواب، يبلغ أمدها، ويطول أبدها، فريق في الجنة، وفريق في السعير.
  فمن كان من أهل الجنة فشاب لا يكبر، وغني لا يفتقر، وقادر لا يعجز، وعزيز لا يذل، وحي لا يموت. في دار قرار، ونعيم مقيم، وسرور وقصور، وأبكار راضية، وقطوف دانية، وأنهار جارية، وملك لا يحد سعته، ونعيم لا تحصى صفته.
  وإن كان من أصحاب السعير - فحمل ثقيل، ومقام طويل، وبكاءٌ وعويل، وخشع ضعيف، وقلب خفيف، في دار جهد وبلية، وغَمِّ ورزية، وضيق لا يتسع، وعذاب لا ينقطع، حيث السلاسل والأغلال، والقيود والأكبال، والضرر والنكال، والصياح والإعوال، وأكل الزقوم، وشرب اليحموم، ولفحات السموم، وظهور المكتوم، ولباس القطران، وزفرات النيران، والخزي والهوان. داخلها محشور، وواردها مضرور، وساكنها مدحور، وصاحبها مقهور، واللابث فيها مهجور.
[عمل من وعد بهذين الدارين]
  قال العالم: كيف يصنع من وعد بهذين الدارين؟
  قال الوافد: ينبغي لمن قد وعد بهذين الدارين أن ينظر إليهما ويتصور ما أعد الله فيهما، فينظر إلى الجنة وقصورها، وما وصف الله فيها من النعيم المقيم، والفواكه والأزواج من الحور الحسان، والأكاليل والتيجان، والأنهار الجارية،