الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[مواعظ بالغة]

صفحة 49 - الجزء 1

  ما بقاء الشيخ في الدهر إلاَّ كبقاء الشمس على القصر في وقت العصر.

  الشيب داعي الموت، وناعي الفوت.

  الشيب يؤذن بالفراق، ويخبر بالتلاق.

  الشيب ظاهره وقار، وباطنه انزجار.

  الشيب يبعد الجنا⁣(⁣١) ويقرب الفنا.

  الشيب يكدر المنى، ويكثر العناء.

  الشيب كسل في كسل، وعلل في علل، وملل في ملل، وخلل في خلل، وآخره مكَل⁣(⁣٢)، وتقريب الأجل، وقطع للأمل.

  فلما بلغ كلام العالم والوافد إلى هذا الحد، قال العالم: ما أسوأ عبد قرب منه الأجل، وهو يسيء العمل.

  ما أسوأ عبداً⁣(⁣٣) ظهر فيه الخلل، وهو يكثر من الزلل.

  من شابت ذوائبه جفا حبائبه.

  أين الاستعداد؟! أين تحصيل الزاد؟! وأنت للذنوب تعتاد، وقد ناداك المناد، أين الراجع إلى الله؟ أين المشتري نفسه من الله ربه؟ أين النادم على ذنبه؟ أين الباكي على أمسه؟ أين المستعد لرمسه⁣(⁣٤)؟ أين الطالب للثواب؟ أين الخائف للعذاب، ألا ترجعون إلى الله، ألا تقبلون على الله، ألا تخافون من عذاب الله؟ ألا تطمعون في ثواب الله؟ ألا تقتدون بأولياء الله؟ ألا تتقون من الذنوب؟ ألا ترجعون من العيوب؟


(١) كذا في الأصل: بإعجام الجيم، والجنى - كما في القاموس الذهب والودع والرُّطب والعسل، فيكون المعنى: الشيب يبعد حبَّ الجنا وهو الذهب أو نحو ذلك على تقدير مضاف محذوف، ويمكن أن تكون الخنا، بخاء معجمة وكتابتها (جيماً) وقع غلطاً من النساخ.

(٢) كذا ضُبِطَ في الأصل بفتح الميم والكاف، و في القاموس: وقليب مُكُل، كعُنُق وكتِف ومُمْكَلة كمكرمة، ومكولة: نُزِح ماؤها.

(٣) (عبداً) منصوب على المفعولية لفعل التعجب على أن المتعجب منه يجب أن يكون مختصاً وهو هنا مختص بالوصف بجملة (ظهر فيه الخلل)، وقد قال الشاعر: يا ما أميلح غزلاناً شدنّ لنا.

(٤) الرمس هو: القبر.