الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الخلاص]

صفحة 50 - الجزء 1

  ألا تندمون على ما أسلفتم؟ ألا تعترفون بما اقترفتم؟ ألا تستغفرون لما اجترمتم؟

  أما آن للقلوب أن تخشع؟ أما آن للعيون أن تدمع؟ آما آن للصدور أن تجزع؟ أما آن للعاصي أن يتزعزع من الذنوب؟ أما آن للخاطئ أن يرجع من العيوب؟ أما تعلم أيها العاصي أنه لا يخفى خافية على علام الغيوب؟ أما تعلم أنك مأخوذ مطلوب؟ ومتَتبّع محسوب؟ وعلى الوجه في النار مكبوب؟ أما تعلم أنك مفارق لكل صديق، ودمعك على خدك سكوب؟ أما تخاف أن تصبح وأنت عن رحمة الله محجوب؟ وعلى حُرِّ الوجه إلى النار مسحوب؟ فيا له من جسد متعوب، ودمع مسكوب، وقلب مكروب، وعقل مرعوب.

[الخلاص]

  قال الوافد: كيف أحتال في الخلاص؟

  قال العالم: أما تعتذر؟ أما تزدجر؟ أما تستغفر؟

  أما لك في من مضى عبرة؟ أما لك في العواقب فكرة؟ إلى متى هذه الجفوة والفترة؟ إني أخاف عليك الشقوة والحسرة، فكم هذه الغفلة؟ وكم هذه الغرة؟ إلى متى هذه الغفلة الغامرة، والقسوة الحاضرة؟

  أما تغتنم أيامك؟ أما تمحو آثامك؟ أما تكفر إجرامك؟ أما تحذر برأيك؟ أنسيت ما أمامك؟ أما تنتبه من رقادك؟ أما تتأهب لمعادك؟

  أنسيت اللحد وضيقه وظلمته؟ أغفلت عن البعث والنشور، يوم يظهر كل مستور؟

  إلى متى تعلِّل بالأماني الكاذبة، وتضيع الحقوق الواجبة؟ دفَنْتَ الأحباب فلم تعتبر، وغَيَّبتهم في الثرى فلم تزدجر.

  ما للناس لا يرجعون؟ يوعظون فلا يتعظون ولا ينتهون، وينادَوْن فلا يسمعون، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وغشى على قلوبهم الران، فالقلوب مسودة متباعدة، والأجسام منافقة متوادة، يقولون ما لا يفعلون، ويأملون ما لا يبلغون، وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.