الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ماذا يفعل المؤمن بين قوم لا يؤمنون؟]

صفحة 51 - الجزء 1

  أُمِرُوا بالطاعة فقالوا: ما يأكلون؟ وما يلبسون؟

  يكذبون ويسرقون وينافقون، ويَعِدُون ويخلفون، ويراؤون ويبخلون، فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون؟ ويجمعون ما لا يفرقون، ويمنعون ما لا ينفقون، ويبنون ما لا يسكنون، ويقطعون ما لا يلبسون. ينافقون ولا يخلصون، لا الله يخافون، ولا منه عند المعاصي يستحيون.

  ينامون نوم الهائم، وينسون يوم يؤخذون بالجرائم، لا الله يخافون، ولا عقابه يحذورن، يصبحون على خلاف ما يمسون. همتهم دنية، وأفعالهم ردية، وأعمالهم غير تقية، وأحوالهم غير مرضية.

[ماذا يفعل المؤمن بين قومٍ لا يؤمنون؟]

  قال الوافد: كيف يصبح من يصبح بين هؤلاء؟

  قال العالم: يرضى بالله صاحباً، ويعتزل منهم جانباً. ويل لمن له ذنب مستور، وثناءٌ مشهور، وهو عند الله مثبور.

  ظاهره بالخير معروف، وباطنه بحب الدنيا مشغوف، وهو عن باب الله مصروف.

  ثيابه أبيض من الحليب، وقلبه مثل قلب الذيب.

  باطنه من التقوى خراب وهو يطمع في الثواب، وهو في الدنيا سكران من غير شراب.

  ظاهره فيه سيماء العابدين، وباطنه فيه سيماء الجاحدين.

  مقالته مقالة الأبدال، وفعله فعل الجهال.

  سيرته سيرة المغتربين، وأمله أمل المفتونين، فهذا من المطرودين عن باب رب العالمين.

  ما لي أرى الناس يركبون الشرور، ويدخلون في المحذور، ويضيعون الأيام والشهور؟

  إلى متى يسوفون التوبة، ويلبسون لباس ثياب المهتدين، ويضمرون أسرار الظالمين.