[الهالك الحقير]
  إن أبعد الناس من الله بعداً عبدٌ نظر إلى عيب أخيه، ولم ينظر إلى عيب نفسه، ومن رأى من أخيه المسلم حسنة وسترها ورأى سيئةً ونشرها كبه الله في النار على وجهه، ولم يخفف عنه من عذابها شيئاً.
  من لم يميز بين الحلال والحرام - أسرعت إليه سهام الانتقام.
  من أسف على شيء من الدنيا يفوته - كثر نزاعه عند موته.
[الهالك الحقير]
  قال الوافد: صف لي الهالك الحقير المفتتن(١).
  قال العالم: هو الذي يتأسف على رزق لم يأته، وينتظر مالاً وربما لم يستوفه، ويُخاف شره، ولا يُرجى خيره. يظهر حزنه، ويكتم شره، فهو مرتبط بالنفاق، معاند بالشقاق، قريب الخجال(٢) قليل النوال، قد رضي بالقيل والقال، لا يسلك سبيل النجاة، ولا يخاف من الموت المفاجأة. ظاهره مع أهل الدين، وباطنه مع المنافقين.
  قد باين القرآن، وأغضب الرحمن، فهو للقرآن مذموم، وعند أهل الإسلام ملوم، وفي سبيل الإحسان محروم. كلما ظفر بمعصية افترسها، ومهما أدرك خطيئة ارتكبها. فقلبه لا يفزع، ونفسه لا تشبع، وعينه لا تدمع. قد آثر العمى على الهدى، وبذل الدين في الدنيا، وقد قيل في ذلك شعراً:
  مضى عمري وقد حصل الذنوب ... وعزّ عليَّ أني لا أتوب
  نطهِّر للجمال لنا ثياباً ... وقد ضربت لقسوتها القلوب
  وأعربنا الكلام فما لحنا ... ونلحن بالفعال فما نتوب
(١) في الأصل: ظنن على كلمة (المفتتن) بعد أن ألحقها بين السطور فوق (الحقير).
(٢) كذا في الأصل قال في القاموس: والخجل محركة: أن يلتبس الأمر على الرجل فلا يدري كيف المخرج منه، وسوء احتمال الغنى، كأن يأشر ويبطر عنده، والبرم والتواني عن طلب الرزق، والكسل، والفساد ....