الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[لمن رحمة الله؟]

صفحة 60 - الجزء 1

  موقف الذلة إذا عرفت عملك كله؟ وعرضت على عالم التفصيل والجملة؟

  أي ليل لك وأي يوم؟ وأي صلاة وأي صوم؟ إلى كم الغفلة والنوم؟ إلى كم تتبع عادات القوم؟ إلى كم تجوم⁣(⁣١) في المعاصي حقاً ما جوم⁣(⁣٢)، كأني بك وقد أوقفت موقف اللوم.

  على أي عهد الله أوفيت؟ على أي وعد قمت؟ على أي توبة نمت؟ أي صلاح إليه رمت؟ هل صليت لله مخلصاً أو صمت؟ هل قعدت في رضا الله أو قمت؟

  أي معصية لله تركت؟ أي طاعة لله سلكت؟ أي هوى لنفسك لله خالفت؟

  أي ليلة سهرت لربك؟ أي يوم صمت من خوف ذنبك؟ هل أعملت في جوف الليل فكرك؟

  قد أذنبت فهل اعتذرت، وقد أجرمت فهل جديت؟ وقد أضعت فهل أطعت؟ قد هربت فهل طلبت؟

  تقول وخرقت، وتوانيت وسوفت، وبارزت وخالفت، وعصيت وجاهرت.

  كأني بك وقد ندمت على إضاعتك، وتأسفت عن ترك طاعتك، وبكيت عند هجوم ساعتك، وخسرت في تجارتك وبضاعتك، ولم تنتفع بفصاحتك وبراعتك، وذهب ما كان من قوتك وشجاعتك.

[لمن رحمة الله؟]

  قال الوافد: وعدنا الله في كتابه الرحمة.

  قال العالم: إن رحمة الله قريب من المحسنين، إذا عملت بالرضا، عفا عنك ما مضى، وحرم لحمك على لظى، وإن لم تعمل بالرضا، أخذك بما بقي وما مضى، وأحرقك بنار لظى.

  إذا نظر ستر، وإذا عدل قبل، وإذا رحم غفر، عظيم فضله، صادق قوله.


(١) في القاموس: جام جوماً: طلب شيئاً خيراً أو شراً.

(٢) كذا في الأصل، وفي مجموع الإمام القاسم المطبوع: إلى كم تحوم في المعاصي حوم.