[حال من استراح في الدنيا ولها عن الآخرة]
  يا مغبون يا مثبور، يا من اطمأن إلى دار الغرور، يا من قَدِم غير معذور، ما حيلتك يوم النشور؟! ما أتركك لصلاتك! ما أغفلك عن أخذ زادك! مهلاً عن التفريط، مهلاً عن التخليط، مهلاً قبل البين والفراق، قبل التقاء الساق بالساق، قبل محن لا تطاق.
  قال الوافد: يا عجباً لهذه الدنيا ما أمكرها وأخدعها! ما أخورها ما أدبرها! ما أقل نفعها، ما أكثر ضرها! تحلو وتُمِر. ما للدنيا بقاء، ما للدنيا وفاء، الدنيا بلاء، لا يجمعها ذو تقاء.
  ما أكثر تخليطي، ما أكثر تفريطي، ما أغفلني عن أعمالي، ما أقبح أفعالي، إلى كم أغتر بآمالي؟ كم أُخَوّف ولا أخاف، كم أُعَرّف ولا أَعْرِف؟ كم أصر على الذنوب ولا أَنْصَرف، كم يمهلني ربي ولا أَعْتَرف؟ إلى متى أقول عسى وسوف؟ وأُدْخل الحرام الجوف؟
  أدخلت في قلبي الظلمة، غفلت عن الطاعة، كفرت النعمة، نسيت الحرمة، واستمعت النهمة.
  قال العالم: اعترف بذنبك، وارجع إلى ربك، وأقبل بكلك، واندم على فعلك، لا تحمل الثقيل، لا تستقل القليل، لا تنم الليل الطويل.
  أظلم الناس من ظلم نفسه، وأضيع الناس من ضيع يومه وأمسه.
  أسرق الناس من سرق من صلاته، أبخل الناس من امتن بزكاته، أنذل الناس من أساء عمله في خلواته، أجلد الناس من غلب شهواته، أغفل الناس من ضيع حياته، أندم الناس من عطل ساعاته.
  أقوى الناس من مات على التوبة، رأس مالك في الدنيا الطاعة، التقى أفضل البضاعة، من أمَّل الله أعطاه مأموله، من سأل الله بلغه سؤله.
  أسلم الناس من خَملَ ذكره، وكثر شكره، من قنع بالعطاء سلي عما مضى.