[فضل الصيام والإقلال من الطعام]
  أرخيت عليك الأستار، وأخفيت ذنوبك عن الجار، وبارزت الجبار، بالمعاصي الكبار، وجمعت الذنوب والأوزار، وشهد عليك الليل والنهار، والملائكة الحضار. أما تخاف عقوبة الجبار؟ والخلود في النار؟
  إلى كم تتستر عن أعين الناظرين، وقد شاهدك أقدر القادرين؟ كم تخاف من المخلوق وتستخفي، ولا تخاف الخالق ولا تستحيي؟ كم تنقض العهود وتستخف بالشهود؟ كم تجترئ على المعبود؟ ويعود عليك ولا تعود؟ كم رآك على المعاصي وستر؟ واطلع منك على القبائح وما نشر؟ وغطى عليك وما شهر؟!
  أما تذكر قبائحك؟ أنسيت فضائحك؟ أما تخاف من ذنوبك؟ أما تزدجر من عيوبك؟ أغَفَلْتَ عن الداهية؟ ألم تخف الهاوية؟ أنسيت من لا يخفى عليه خافية؟
  قد اطلع عليك مراراً، وأسبل عليك أستاراً، وبارزته غير مرة فستر وعفا، ونقضت ما عاهدته عليه ووفى، ولو شاء لأمطر عليك الحجارة من الهوى، وسلب منك العطاء، وكشف عنك الغطاء، وأطلع عليك عباده، وضيق عليك بلاده، وبدل اسمك، وغير جسمك.
  هب أنه ستر عليك في الدنيا - فماذا تعتذر في العقبى؟ هب أنه تجاوز وعفا، وقد نقضت ما عاهدك عليه ووفى - ألم تستح من خالق الأرض والسماء؟! ألم تستح من الحفظة الكرام؟! ألم تخف من لا يتغاضى(١) ولا ينام ولا يضام، فيا حياك من قلة الحياء، وقال في ذلك:
  يا من شكى حافظاه خلوته ... حين خلى والعباد ما فطنوا
  لم يهتك الستر إذ خلوت به ... بر لطيف كفيٌ له المننُ
(١) في الأصل تقرأ: يناضى، وقد ظنن في الحاشية بأنها يتغاضى، ولعلَّها هي الصحيحة.