الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[فضل الإنفاق وقبح البخل]

صفحة 73 - الجزء 1

  فضل الإنفاق وقبح البخل - كيفية مجاهدة النفس

[فضل الإنفاق وقبح البخل]

  قال الوافد: صف لي فضل الإنفاق وقبح البخل.

  قال العالم: ليس لك من مالك إلاَّ ما لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، أو تصدقت فأبقيت، وما سوى ذلك فوبال عليك.

  من صان فلسه أهان نفسه، من حبس درهمه جمع على نفسه همه. البخل أدوى الداء، والجود أنفع دواء، ما ثَقَّل الميزان مثل الإحسان، في الله فَلْيَكْثُر الإخوان، النجاة في القرآن، ما حبط العمل بمثل التعاجل والنسيان.

  من لزم السماحة لم يعدم الراحة، البخيل في الدنيا مذموم، وفي الآخرة من الخير محروم. تملك البلاد بالفرسان، وقلوب العباد بالإحسان.

  من بذل أمواله نال في الآخرة آماله. من جاد بكسرته فقد بالغ في مروءته، من أخرج فضلة الأموال نجا في الآخرة من الأهوال.

[كيفية مجاهدة النفس]

  قال الوافد: كيف أصنع بالنفس حتى ترجع عن شر عادتها؟

  قال العالم: إن النفس لا ترجع عن شر عادتها أبداً، وليس منها إقلاع ولا رجوع إلاَّ بالقهر والغلبة، والجهد والتضرع، فبالعلم والمعرفة والزهد تحبس النفس عن شر عادتها، حتى ترجع عن شهواتها، ولا تدرك ذلك منها إلاَّ بصدق الإرادة والصبر، والمعالجة وكثرة الخوف، والعمل بالصواب، وإذا ظفرت بها حتى تردها إلى طاعة الله ورضاه، ووفقت لذلك فاشكر الله، واعرف له بالطاعة؛ إذ جعل ذلك بتوفيقه لك، فينبغي لك من بعد ذلك أن تقلع عن الهوى وتصم أذنه، وتخرج التخاليط والآفات من أماكن مزرعها، وتَغْلِبُ هواك، وتحذر النسيان والغفلة، ووسوسة الشيطان وسرعة العجلة، وتأخير الخير، والتواني والفخر.