الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الحياة الطيبة]

صفحة 80 - الجزء 1

  الغرور، والاستعداد للموت، والانقطاع عن الناس، والاقبال إلى الله بكل قلبك، والاتصال بالذكر الصافي، وحسن الخلق، والرأفة بالمسلمين، والأنس بالله في الخلوات، والشوق إليه، والمحبة له والرضا بالمقادير التي من عند الله، ثم اليقين؛ فإن الله تعالى يعطي العبد على قدر يقينه.

[الحياة الطيبة]

  قال الوافد: صف لي الحياة الطيبة.

  قال العالم: أقول لك: إن الحياة الطيبة لا تدركها إلاَّ بخمسة أشياء: أول ذلك العقل، ثم المعرفة، ثم اليقين، ثم العلم، ثم الغنى بما عند الله، فهذه الحياة الطيبة.

  فإذا أردت أن تنالها فعليك بمنازعة النفس ومعاداتها، ومخالفة الهوى، فإن لك في ذلك كفاية، فإذا أردت أن تكون من أهل الصدق في الحياة الطيبة فإنك تنفي العادة الخبيثة، ولَبِّس نفسك الصبر والخلق الحسن، وأزل عن قلبك الذكر الرديء، ولا تشغل قلبك بغير ذكر الله وطاعته، وأمت حرارة الشهوة من نفسك، وليكن الموت عندك أحب إليك من الحياة، فإن الصالحين من قبلك تناسوا قلوبهم بالحزن الطويل، والجهد الثقيل، يريدون بذلك رضا ربهم والتقرب إليه، فإن أحببت أن تسلك طريقهم، وتقفوا آثارهم - فَحَوِّل نفسك عن الدنيا وزهرتها، وأدِّبْ نفسك بالجوع، وأذلها بالفقر، وموتها بقرب الأجل، وأبصر بعينيك إلى عرصة القيامة، حتى كأنك تحاسب فيها، فحاسب نفسك قبل ورودك إليها، واقطع نيتك عن كل شغل يشغلك عن الله، وتأدب بآداب الصالحين الذين من قبلك، رموا بقلوبهم نحو خالقهم، وكلما تحولت قلوبهم إلى غيره - حملوا عليها بالزجر، ورجعوا إلى مقامهم، وقصدوا بأبدانهم نحو قلوبهم، جهداً منهم، وأيأسوا أنفسهم عن الدنيا وراحتها، وعودوا قلوبهم الجهد، وكدوها في طاعة خالقهم، فعندما عرف الله منهم الصدق والثبات - أثابهم بالفرح والسرور من عنده، وصرف عنهم العادة الردية.