الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ماذا يجب على المتقي العارف]

صفحة 82 - الجزء 1

  فهذه صفة المتقي العارف، فعليك بهذه الطريقة فالزمها، وأقبل عليها بقولك وفعلك، وحركتك وسكونك، وسمعك وبصرك، وظاهرك وباطنك، ونظرك وتمييزك، فإن الخير والبركة بحذافيرها لمن سلك هذه الطريقة.

  واعلم أنك إذا صدقت عليها نيتك، وعلم الله منك المجهود في ذلك - نصرك عليها، وظفرك بها؛ فمن صبر على هذه الصفة أربعين يوماً لا يشوب عمله بالكدرة والتخاليط والآفات - اتَّقَد في قلبه مصباح النور، وانفتح له عينا قلبه، فيبصر بنورهما إلى جميع الدنيا والآخرة، فيعرف عند ذلك مصائب الدنيا ومصائب الآخرة، فيصبر على مصائب الدنيا، ويخاف من مصائب الآخرة؛ لأن مصائب الدنيا نعم، ومصائب الآخرة نقم.

  فإذا ميَّز بينهما واعتبر - أقبل على خيرهما عاقبة، وعمل لآخرته بطيبة من نفسه، وانتبه واطمأن، وعرف أن الآخرة خير من الدنيا، وتحصن بذكر الله في دنياه، وعمل لعقباه، فطوبى له وحسن مآب.

[ماذا يجب على المتقي العارف]

  قال الوافد: فما يجب عليه بعد ذلك؟

  قال العالم: يجب عليه أن يدعو عباد الله إلى الله، ويعرفهم أنهم قد هربوا من ربهم، فيرغبهم ويردهم إلى مولاهم من بعد هربهم منه، ويحبب إليهم خالقهم، ويعلمهم شرائع دينه، ويعرفهم آلاء الله ومنَّه ونعماه، ويلقنهم الشكر، ويرغبهم بالذكر في طاعته، ويحذرهم من معصيته، ويريهم تقصيرهم، ويخوفهم هجوم الموت عليهم، ويعلمهم التوبة، ويدلهم على الله، ويعلمهم التوحيد حتى يوحدوا الله ويصدقوه ويعدلوه، وينشر العلم فنشره غنيمة، وذلك فعل الأنبياء والصالحين، ولو سكت هلك العالم والمتعلم جميعاً. ومثل العالم والمتعلم مثل نور الشمس ونور العينين.