[عمل الغافل المتواني]
[عمل الغافل المتواني]
  قال الوافد: صف لي عمل الغافل المتواني.
  قال العالم: مثل عمل الغافل المتواني مثل الصوف المندوف، تراه عظيماً كثيراً فإذا وزنته لا يقوم في الوزن، كذلك الجاهل الغافل، يسر بكثرة عدد أعماله، وليس يعرف إخلاصها، وهو يصلي ويصوم، ويزكي ويحج ويعبد، ولا نور لعلمه ولا تزكية، ولا إخلاص في قلبه، وكيف ينال البركة والنور، وهو غافل ساهٍ؟! إن قام في الصلاة قام فيها بجسده، وغفل عنها بقلبه، وإن صام تكلم بالرفث والغيبة والكذب، وإن زكى ماله كانت زكاته كأنها مغرم، يخرجها لا تطيب نفسه بإخراجها، وهو مع ذلك رافع رأسه، شامخ بأنفه، متطاول على الناس، يتمنى على ربه الدرجات العلى، فإذا حركته لم تر معه من العبادة الخالصة قدر قطمير، ولا عليه سكينة تمنعه من كثير مما يهوى، ولا له قوة يكظم بها غيظه، ولا حلم يحجره، ولا ورع يكفه ويرده، ولا له إصابة في كثير مما يدخل عليه من الشبهات.
  ثم إذا حركته وجدته قليل العقل، أعمى القلب، متزيناً في نفسه، متصنعاً للناس، يرائي بأعماله وهو لا يعلم، وهو متكبر في عبادته، ويعلو على الناس وهو يزعم أنه مخلص، ويزعم أنه متواضع للناس، ثم تراه حريصاً راغباً، مكباً على الدنيا، وهو يزعم أنه مأجور على ذلك، قد ارتفع بعمله فوق الخلائق من عجبه.
  وربما تراه يتكلم بكلام الخائفين، حتى إذا جربته وحدثته - وجدته جاهلاً غافلاً، فلا يرضى من الخوف بأن يذم نفسه، وربما يعتبر ويتفكر ولا ينفعه ذلك؛ لأن ذلك لا ينفعه مع غفلته، ولعله يظن أنه من التوابين، منذ دهر طويل، ولعل عنده من الروايات والأخبار ما ليس عند كثير من الناس، ثم ليس هو يعرف من عمله لا الشبهة والكدرة، والزيادة والنقصان، ولا المضرة ولا المنفعة ولا يميز بين شيء من ذلك، فإنه لو جمع فهمه ونظر إلى نفسه لعرف خطاياه.