الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[اختبار العالم للوافد]

صفحة 21 - الجزء 1

  والأشجار الدانية، والسرر المصفوفة، والزرابي المبثوثة، وأشيائها ولباسها، وفراشها وحجراتها، وطعامها وشرابها، ونعيمها ودوام ذلك فيها - فيخاف ألاَّ يكون من أهلها، فهنالك تتابع زفراته، وتكثر حسراته، وتفيض عبراته، ويطيع ربه، ويعصي هواه، ويترك دنياه، ويطلب آخرته، ويعلم يقيناً أن إلى الله مصيره.

  فلما انتهى الكلام من العالم والوافد إلى هذا الحد، وعلم أنه ذو فطنة ونباهة ونبالة ونظر وتمييز في طلب العلم - سأله لينظر معرفته.

[اختبار العالم للوافد]

  فقال: من أين؟

  فقال الوافد: من فوق الأرض ومن تحت السماء.

  قال العالم: كم لك؟

  قال: كذا وكذا من سنة.

  قال العالم: ما ترى؟

  قال الوافد: أرضاً وسماءً، وما بينهما.

  قال العالم: ما ترى في السماء؟

  قال الوافد: أرى عبراً: شمساً تحرق، وقمراً يشرق⁣(⁣١)، ونجوماً تزهر، وماء يمطر، ورياحاً تذري، وسحاباً تجري، وطيراً يهوي، وليلاً ونهاراً وأياماً مختلفة.

  قال العالم: فما ترى في الأرض؟

  قال الوافد: براً وبحراً وسهولاً، وتراباً وأحجاراً، وأشجاراً وأثماراً وأنهاراً.

  قال العالم: فكم الدنيا؟

  قال الوافد: ليل ونهار.

  قال العالم: فكم الخلق؟

  قال الوافد: ذكر وأنثى.


(١) مشرق، كذا في الأصل، ولعله على لغة ربيعة، مراعاة للسجع.