[الاستقامة]
  وأما الثالثة فإن الله يرضى لعباده الجنة، ويأمر بالعمل لما يصلح لها، فيعملُ العبدُ ما لا يرضي الله، ويكره ما يرضى الله له من الخير، ويرتكب المعاصي والشرور، ولا يرضى برضا الله له.
  ويكون له ولد يحبه ويريده للدنيا، وربما قبضه الله إليه وهو له ولي، أفلا يرضى العبد بقضاء الله كما يرضى أولاً بعطائه؟ وهو يعلم أن موت ولي الله خير له من حياته في هذه الدنيا الفانية، المحشوة هموماً وغموماً، ونغصاً وغصصاً، وآفاتاً وشروراً.
[الاستقامة]
  قال الوافد: فما وراء ذلك يرحمك الله؟
  قال العالم: وراء ذلك الاستقامة، أما سمعت الله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُم اسْتَقَاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِم الْملَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}[فصلت: ٣٠].
  قال الوافد: بين لي ذلك؟
  قال العالم: الاستقامة هي أن الدنيا قيامة، فلا يلتفت فيها إلى كرامة، ولا يبالي فيها بالملامة، الاستقامة تؤدي صاحبها إلى السلامة، والمستقيم صادق، وبالحق ناطق، عمله في خضوع، وقلبه في خشوع، وروحه في رجوع، وسره يروع، وجسمه سقيم، وقلبه سليم. مقيم بلا التفات، مداوم على المراقبات، ملازم للأمر، ومدمن على الزجر، وطالب للأجر، تارك للهوى، مقيم على الوفاء، حريص على التقاء، مجتهد على الصفاء. ليله قائم، ونهاره صائم، إِلْف من آلَفْ، صابر عاكف، تام الصحبة، دائم المحبة، مجيب غير مريب، معرض لا متعرض، مطيع غير مريع، طالب راهب، مسلم مستسلم، مقر لا منكر، محْتَقَر لا محْتَقِر، متواضع غير مستكبر، مقبل غير مدبر. علامة المستقيم أن يستقيم له