[حال من استراح في الدنيا ولها عن الآخرة]
  كم من شيخ كبير، في العذاب المستطير، لم ترحم شيبته، ولم تكشف كربته، ولم تقبل معذرته، قد أُطْعِم الضريع، وسقي الحميم، وعري وجُرِّد، وقُرِّب للعذاب ومُدِّد، وضرب بالمقامع وتُهُدِّد، وغُلِّل بالسلاسل وخُلِّد وقُيِّد، وأنزل في أدراك النار وأفرد، وطرد من الرحمة وبُعِّد، وبسط له من النار ومُهِّد، وغُلِّظَ عليه العذاب وقُيِّد، ومُزِّق جلده بالسياط وبُدِّد، وصُبَّ عليه العذاب وجُدِّد، فالويل له من توابيت النيران، وغضب مالك الغضبان، يقول له: هذا جزاء ما أذنبت وعصيت، وأخطأت وتعمدت، وسوفت وتوانيت، لم تنته من العيب، ولم تتعظ بالشيب، بالمعاصي جاهرت، وبنفسك خاطرت، الصلاح أظهرت، والنفاق أسررت.
  هذا جزاء من أظهر الصلاح وأضمر الفساد، هذا جزاء من أساء وظلم العباد، هذا جزاء من فَلَّتَ صلاته وأطال الرقاد، هذا جزاء من كان للمسلمين كثير الفساد، هذا جزاء من أضاع الصلاة، ولم يقم بها في الأوقات، هذا جزاء من لَهَى واتبع الشهوات، هذا جزاء من عصى الله في الخلوات.
[حال من استراح في الدنيا ولها عن الآخرة]
  قال الوافد: كيف يستريح في الدنيا من وعد بهذه المصائب؟
  قال العالم: من ارتكب المحارم، وكسب المآثم، دخل هذه الدار، وخلد في عذاب النار.
  يا من عصى الملك العلام، وخلا في المعاصي في الظلام، يا من ذنوبه لا تحصى، وعيوبه لا تنسى، وذنبه لا يعفى، وقد برح الخفاء، وكثر الجفاء، اخْسأ فيها يا مطلوب يا مكروب، يا كثير الذنوب، أفسدت في الدنيا دينك وضيعت فيها حظك.
  يا كثير القبائح، يا عظيم الفضائح. يا كثير الرياء، يا قليل الحياء. يا مغرور، يا من عطل الأيام والشهور، يا من ركب الشرور. يا من جعل ليله لكسب الذنوب والأوزار، يا من عصى الملك الجبار، يا من بارز الخالق في وقت الأسحار. يا من يصبح عاصياً، ويمسي ناسياً، ويظل لاهياً - أصبحت من رحمة الله قاصياً.