[الصادق المجتهد]
  فإذا وجدت قلبك يميل إلى واحدة منهن دون الأخرى فاعلم أن الذي أنت تزعم باطل، هذا من تخيل النفس، وأنت مغتر فيما تدعي، لم تنل شيئاً مما ناله البررة الصادقون.
  واعلم أن لكل شيء حقيقة، ولكل صدق علامة، فحقيقة المعرفة معرفة النفس، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه.
  وحقيقة الصدق الانقطاع إلى الله ورفض الدنيا، فمن عرف الرب عبده، ومن عرف الدنيا زهد فيها، فمن عرف الله أحبه، ومن أحبه لم يعصه، وعمل بما يرضيه. وإن نعيم المحب ساعة واحدة أكثر وأحلى وأطيب وأعلى من نعيم أهل الدنيا بنعيمهم من يوم خلقهم الله تعالى إلى آخر ما يفنيهم، وإن رفيع الدرجات ذو العرش إله الدنيا والآخرة حبيبهم، به يستأنسون، وعلى بساط قربه يتقلبون، وفي جزيل كرمه يتنعمون، وبذكره يتلذذون، وبالوصول إليه يفتخرون، قد وعدهم من جزيل عطائه، وسعة رحمته، ومكنون فضله، ما يعجز عنه الوصف، ورضي عنهم وأرضاهم واصطفاهم، أولئك الذين لا يشقى جليسهم، ولا ترد دعوتهم، يدورون مع الحق حيثما دار، والأرض بهم رحيمة، والجبار عليهم راضٍ، جعلهم الله بركة أرضه، ورحمة على عباده، فطوبى لهم وحسن مآب.
[الصادق المجتهد]
  قال الوافد: صف لي الصادق المجتهد.
  قال العالم: هو الذي لا يَعِيّ عن الاجتهاد فيما يقر به إلى الله في تحريكه وسكونه، وكلامه وقيامه وقعوده، ثم يجعل اجتهاده من جميع جوارحه بصدق تكلفه، ثم يجعل تحريك لسانه، واستماع أذنيه، وبطش يديه، ومشي رجليه، وأخذه وعطاه، ونومه ويقظته، وجميع ما يكون منه في ليله ونهاره يصدق بعضه بعضاً.
  ثم يجعل طعامه وشرابه ولباسه، وجوعه وعطشه، وقيامه وقعوده، وشبعه وريه - يوافق بعضه بعضاً، ويجعل جميع ذلك صدقاً منه، وقصداً إلى ما يوافق