الوافد على العالم،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[صفات المتقي العارف]

صفحة 81 - الجزء 1

  فإذا أردت أن تكون مثلهم - فغمضْ عينيك عن الدنيا، واختم أذنيك عن أقاويل أهلها، واصرف قلبك عن زهرات بهجتها، وانقطع إلى ربك، واعمر قلبك بذكره، واستعمل لسانك في شكره، واجعل قلبك مملوءاً من محبته، وتلذذ بطاعته؛ فإنه يغنيك عن الخلق كلهم، ويهون عليك الصعوبة، ويخفف عليك المؤنة، وتصير حراً عن عبودية الدنيا إذا وصلت حبلك بحبل خالقك، وتسلم من الأشغال، وتصبح منير القلب، كثير الذكر، لذيذ المناجاة، حريصاً على الطاعات، قليل الزلل والخطأ، قليل الغفلة، حسن الفعال، صافي الذكر، قليل الكلام والفضول، واسع الصدر، خلوتك مع الله لا تزول، وأنسك بالله، لا تستوحش إن كنت في القفرة، ويكثر يقينك في قلبك، فبدنك مطيع، ولسانك ذاكر، وكلامك حق، وعملك زين، وسعيك مشكور، وكل شيء منك نور، وكل حركة وسكون منك محمود، قد أعد الله لك النعيم في جنَّات النعيم.

[صفات المتقي العارف]

  قال الوافد: صف لي المتقي العارف.

  قال العالم: إن من صفات المتقي العارف أن يكون غذاؤه ذكر الله، ورأس ماله اليقين بالله، ومطيته الهيبة من الله، ولباسه تقوى الله، وتحريكه التفويض لأمر الله، وعزمه التسليم إلى الله، وخوفه التعظيم لله، وهو محبوس في سجن الرهبة، مقيد بالحياء، متنعم بالمناجاة، قد أمرضه الشوق، وأشغفه الحب، فهو مستأنس بطبيبه، ممكن بحبيبه، وله ورع لا يشوبه طمع، ويقين لا يشوبه طلب، وانتباه لا يشوبه غفلة، وذكر لا يشوبه نسيان، وعزم لا يشوبه تواني، وتعب لا يشوبه عجز، وعلم لا يشوبه جهل، ورجاء لا يشوبه غرة، ودعا لا يشوبه فترة، وتفكر لا يشوبه توهم، وتوحيد لا يشوبه تشبيه، وتصديق لا يشوبه تكذيب، وتعديل لا يشوبه تجوير.