في التوبة وصية أمير المؤمنين عليه صلوات الله وسلامه
  قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ٥٤}[الزمر].
  إن المعصية وكما تعلمون تمرد على الله، وطغيان على أحكام الله، فهي أحياناً تشكل الوقوف في وجه الحق والتحدي له، كما أنها أحياناً أخرى تشكل ضعفاً في الإيمان وضعفاً في اليقين، يتغلب فيها جانب النفس والشهوة على جانب الأوامر الإلهية والأحكام الشرعية، المعصية عملية اجتيازٍ للقانون السماوي ومخالفة له، فبمقدار احترام الله ومعرفته ونفوذ كلمته لدى الإنسان، فإنه يحاول السير على منهاجه كما يحاول ترك مخالفته، بل يسعى بكل طاقاته أن يقترب منه بإظهار طاعته وحصول أكبر مقدار من الامتثال لأوامره وأحاكمه، فإذا كانت المعصية تشكل التمرد والطغيان وخرقاً للقوانين الربانية، فإن التوبة تشكل الرجوع والإنابة وتشكل الندم والاعتذار، وتشكل التصميم على السير وفق نهجه الذي رسمه والخطة التي يرتبها.
  إن التوبة تتمثل بلوعة في قلب العبد التائب، وبحرقة إثم المعصية السابقة ودمعة في العين يسكبها التائب، كما أن التوبة تتمثل أيضاً في التصميم على عمل الخير والبر فيما بقي من أيام عمر التائب.
  إن التوبة عودة إلى رحاب الله الواسعة، عودة إلى الطاعات والأعمال الصالحة، رجوع إلى كنف جبار السماوات والأرض الملك القدوس العزيز الحكيم، إن التوبة عودة إلى القوة المطلقة المهيمنة على الكون والوجود، عودة إلى مُصْدِر النعم ومفيضها على الكائنات بأسرها.
  واسمعوا ثم انظروا كم هو الفارق بين النظرة الإسلامية والنظرة المسيحية بشأن التوبة؟ يحكى أن التوبة عند المسيحيين هي أن يقف النصراني العاصي أمام القسيس ليعترف بكل جرائمه وانحرافاته، ظناً منه أن هذا الاعتراف يمحو عنه السيئات ويكفر الخطيئات؛ لأن في نظرهم أن هناك طبقة الكهنة وأنها تمتلك حق المغفرة للذنوب، وأن بيدها الحل والعقد دون سائر الناس.