في التوبة وصية أمير المؤمنين عليه صلوات الله وسلامه
  وهذا خلاف النظرة الإسلامية، فهي ترى أنه لا يمتلك حق المغفرة للذنوب إلا الله وحده، ففي حين يقف المسلم أمام الله الذي عصاه وقفة عودة إليه ورجوع إلى رحابه، يناجيه بلسانه ويتوجه إليه بقلبه دون واسطة ولا شفيع، يقف المسيحي أمام إنسان مثله ليفضح نفسه ويهتك ستره ويبدي معائبه، يقف أمام إنسان خَطَّاءٍ مثله، وقد يكون أحياناً أسوأ حالاً من صاحب الاعتراف.
  فما أجمل وأروع الوقفة أمام الله الذي يملك الحكم والأمر والنهي، وما أقبح الوقفة من الإنسان أمام إنسان لا يملك من أمر نفسه شيئاً، إن الوقفة أمام الله عزة ورفعة وشموخ ورجوع إلى مالك الإنسان ومالك السماوات والأرض، وإن الوقفة إلى القسيس أو الراهب وقفة مخزية مضحكة.
  أيها المؤمنون، لقد أكد القرآن على وجوب التوبة والرجوع إلى الله في كثير من الآيات المجيدة يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التحريم: ٨]، ويقول: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ١٠٤}[التوبة]، ويقول تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٣١}[النور]، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى: ٢٥]، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ٢٢٢}[البقرة]، والآيات القرآنية كثيرة في هذا المجال.
  وروي عن رسول الله ÷ أنه قال: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»(١).
  والتوبة النصوح ليست نطقاً باللسان فقط، بل لا بد مع ذلك من ترك المعاصي على الإطلاق، ومن الندم الصحيح على ما قد مضى والعزم على عدم العودة أبداً، كما أن على التائب أن يقوم بما يملي عليه الله من الإصلاح والتدارك
(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية عن عبد الله بن مسعود.