في التوبة وصية أمير المؤمنين عليه صلوات الله وسلامه
  لما فات، والتبيين لما يجب تبيينه، فمن ترك فريضة من فرائض الله كالصلاة والزكاة والصيام ونحوها، فإن عليه إذا أراد أن تتحقق توبته أن يقضيها كلها، ومن عمل عملاً فيه التغرير والتلبيس على العامة، فإن عليه أن يبين لهم خطأه في ذلك ورجوعه عنه، ومن ارتكب شيئاً من المحرمات كالزنا وشرب المسكرات فعليه أن يندم على ما قد فعل، وأن ينوي ويعزم على عدم العودة لمثل ذلك أبداً.
  ومن ارتكب أمراً بينه وبين العباد كالسرقة والغصب والرياء ونحو ذلك فإن عليه أن يرد حقوق الناس كاملة غير منقوصة إن كان قادراً وكان صاحبها موجوداً، وإلا وجب الاستحلال منهم والمسامحة منه، وإن كان لا يعرفه أو لا يعرف موضعه فإن عليه أن يستغفر الله ويتصدق بمثل ذلك عن صاحبها، وإن كانت المعصية قتل نفس، فإن كان خطأ فعليه أن يوصل الدية إلى أهله مع أداء الكفارة، وإن كان عمداً فعليه أن يعترف أمام أولياء دمه، ويخيرهم بمقتضى الشرع بين الأمور المذكورة في كتب الفقه، وهي: قبول الدية أو العفو أو القصاص، وهكذا في سائر المعاصي.
  فليست التوبة لقلقة لسان، وإنما هي حرقة في الجَنَان، وكما قال أمير المؤمنين علي ~ لمن قال بحضرته: «أستغفر الله» قال له: (ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟! إن الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معانٍ:
  أولها: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها تؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ منهما لحم جديد، السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله).
  اللهم وفقنا لتوبةٍ صادقة وخاتمةٍ حسنة، وعملاً متقبلاً، اغفر ذنوبنا، وتجاوز