درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في فوائد نعمة الحفظ والنسيان

صفحة 115 - الجزء 1

  ولولا النسيان لما انتهى لحاقد حقد؛ لأنه إذا لم ينسه ولم يشغله شيء عن تذكره فإن نار الحقد تبقى مؤججة على الدوام، وكان أواره في قوة وتزايد حتى يحترق قلبه ويذوب روحه وخزاً وألماً، وأصبحت حياته جحيماً لا يطاق وشقاء لا سعادة معه، ولكن نعمة النسيان تميت ذلكم الحقد فلا يبقى له أثر يذكر.

  ولولا النسيان لما استمتع أحد بشيء من متاع الدنيا ولذائذها مع تذكر الآفات والنوائب والبلايا التي تمر بالإنسان في حياته، إنها لو لم تنس وتذهب عن مخيلته لما كان لمتاع الدنيا ومغرياتها أي قيمة أصلاً، وكذا لو كان الإنسان مهدداً من سلطان بالعقاب، أو محكوماً عليه بقتل أو صلب أو حبس، وكان لم يؤمل غفلة السلطان أو نسيانه، ولا إعراض الواتر وعدم تذكره، لو كان الأمر كذلك لأصبح ميتاً من هلعه قبل موته، وهالكاً من جزعه قبل أوان هلاكه، ولكنَّ الأمل بغفلة السلطان ونسيان الواتر قد يخفف من سورة الخوف، ومن غلواء الجزع، وحينئذ فالنسيان نعمة من أكبر النعم الإلهية، بها يطيب العيش وتستقيم الحياة، وتُنسى المصائب ويخف الجزع ويُؤمَنُ من حسد الحاسد.

  فسبحان من جعل في الإنسان هاتين الخلتين، وأنعم عليه بتلكم النعمتين، وأودع فيهما مع تباينهما وتضادهما - أودع فيهما - ضروباً من المصالح العظيمة التي لا يستطيع الإنسان أن يؤدي بعض شكرها.

  فنتواصى عباد الله بتقوى الله وبالقيام بأداء شكره حق القيام، وبالمحافظة على ما فرض علينا من الطاعات، واجتناب ما نهانا عنه من السيئات لنفوز مع الفائزين، ونحضى بالسعادة في الدارين.

  جعلنا الله وإياكم من الشاكرين الذاكرين المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون، وأن يعيننا على أداء شكره وذكره وحسن عبادته إنه سميع مجيب، آمين اللهم آمين، ولا حول