درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[دور المال والعمل والكسب المشروع]

صفحة 133 - الجزء 1

  وبما أن الإنسان مركب من مادة وروح، وكل منهما يتطلب الغذاء المناسب؛ فإن الإسلام يعتبر الكسب للأموال بالطريقة المشروعة لازماً، فالمال بنظر الإسلام عَصَبُ الحياة، ودور المال في جميع الأعمال الجسيمة والدعوات الإصلاحية البنَّاءة لا يمكن تجاهله، وإن الإسلام ليعتبر الأغنياء الذين عرفوا مهمة المال وعرفوا أنها وسيلة لا غاية، وحصلوا عليها بجهدهم وعرقهم عن طريق المكاسب الشريفة المشروعة، وأدوا به حقوق الله وحقوق أنفسهم وحقوق إخوانهم، إن الإسلام يعتبر هؤلاء أوتاد الأرض ومصدر حركتها وحياتها ونشاطها، فالإسلام جاء كافياً ووافياً بكل ما تحتاجه البشرية في جميع مراحلها وتطوراتها، والإسلام وحده هو الذي يساير الحياة والحضارات الصحيحة القائمة على العلم والمعرفة، وعلى اكتشاف المخبآت التي أوجدها الله لخير الإنسان في كل زمان ومكان، والتي فرض استعمالها فيما ينفع الناس، وليس الحضارات القائمة على عبادة الشيطان والاستهتار بالأديان والقيم، واستغلال طاقات الشعوب وخيراتها لصنع آلات الخراب والدمار كما تفعله الدول المستكبرة وعملاؤها وأذنابها في العالم.

  فقد جمع الإسلام بين الاتجاهين من غير تفريط ولا إفراط {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}⁣[القصص: ٧٧]، وفي الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».

  كما اعتبر الإسلام المنجزات الحضارية ثمرة لجهد الإنسان وتعميره للأرض، ووصفها بأنها زينة الحياة وزينة الله، وحث على الاستمتاع بها حيث يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}⁣[الأعراف: ٣٢]، وفي الوقت ذاته حرم ما ينجم أحياناً عن تلكم الزينة من سلبيات فيقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٣}⁣[الأعراف: ٣٣].