درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

في فضل رجب وفيها ذكر إسلام أهل اليمن ومولد أمير المؤمنين #

صفحة 146 - الجزء 1

  ترحمون، فإنه تعالى لم يُخْفِ عليكم شيئاً من دينه ولم يترك شيئاً رضيه أو لم يرضه إلا وجعل له علماً بادياً، آية محكمة أو سنة ثابتة تزجر عنه أو تدعو إليه، وقد حثكم على الشكر وافترض من ألسنتكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى وجعلها منتهى رضاه، فاتقوه فإن نواصيكم بيده وتقلبكم في قبضته، إن أسررتم عَلِمَه، وإن أعلنتم كَتَبَه، وقد وكل بكم حفظة كراماً لا يسقطون حقاً ولا يثبتون باطلاً، فمن يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم، ويخلده فيما اشتهت نفسه، وينزله منزلة الكرامة عنده، في دار اصطنعها لنفسه ظللها عرش الله نورها بهجة الله، زوارها ملائكة الله، رفقاؤها رسل الله، {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ٢٨ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ٢٩ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ٣٠ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ٣١ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ٣٢ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ٣٣ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ٣٤}⁣[الواقعة] فلا تفوتنكم هذه الدار.

  وارحموا أنفسكم عن النار فإن جلودكم عليها لا تقوى، وقد جربتم في مصائب الدنيا ورأيتم كيف يجزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه، فكيف بالعبد الضعيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان، روي أن مالكاً إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته، إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى، يقول ربنا ø: {فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ١٠٣ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ١٠٤}⁣[المؤمنون].

  فتوبوا إلى الله قبل أن يحال بينكم وبينها، فهذه أيام التوبة والرجوع إلى الله والقبول، وجاء في حديث طويل يصف فيه رسول الله ÷ فضل صيام كل يوم من أيام رجب إلى أن أتمه، فقيل له: يا نبي الله، ومن عجز عن صيام رجب لضعف أو لعلة كانت به، أو امرأة غير طاهرة يصنع ماذا لينال ما وصفت؟ قال: «يتصدق هذه الصدقة كل يوم رغيف على المساكين، والذي نفسي بيده إنه إذا تصدق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت وأكثر».