درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

في فضل رجب وفيها ذكر إسلام أهل اليمن ومولد أمير المؤمنين #

صفحة 149 - الجزء 1

  أما أمير المؤمنين علي # فقد اقترن بمولده معجزة عظيمة لم ينلها أحد من خلق الله سواه، روى صاحب كتاب بشارة المصطفى عن يزيد بن قعنب قال: كنت جالساً مع العباس بن عبدالمطلب وفريق من بني عبدالعزى بإزاء بيت الله الحرام؛ إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين وكانت حاملاً به لتسعة أشهر فأخذها الطلق فقالت: يا رب، إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل #، وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني إلا ما سترتني ويسرت علي ولادتي»، وما هي إلا لحظات وقد انشق جدار الكعبة، فدخلت من ذلك الشق فالتأم بإذن الله، وذلك ظاهر إلى الآن بالرغم من ترميم الكعبة المشرفة مراراً عديدة، فكلما انتهوا من عمارتها انشقت من ذلك المكان، وقد سددوا ذلك بالرصاص.

  هذا، وبعد وضعها لحملها المبارك، بدت تحمل وليدها بين صدرها وبساعديها، بدت وهي تزهو بهذه المكرمة العظيمة، بدت وهي تحمل ذلكم النور المستمد من نور رسول الله ÷، تتوَجَ شرفها الأصيل بمجد أثيل يناطح السحاب، وأي مجد أعظم من هذا المجد؟!

  فيبدو أبو طالب زعيم الهاشميين وسيد قريش والأبطح، فيخطو نحو وليده المبارك ويأخذه بكلتا يديه، ثم يهدأ ويفكر، ليبحث للمولود العظيم عن اسم يكون له صلة بهذا الشرف الذي حباه الله به وحده من بين أفراد البشر، بعد أن علا شرفاً بولادته في بيت الله العتيق، فسماه علياً، وما أدراك ما علي! وكأنما كان ميلاده في أقدس المقدسات في البيت الحرام إيذاناً بعهد جديد للكعبة المشرفة والعبادة فيها.

  ومن هذا الإيمان المتدفق، الممتزج من زوجين أصيلين وضميرين طاهرين هما أبو طالب وابنة عمه انحدر أبو الحسن #، بعد إخوة له ثلاثة: طالب وعقيل وجعفر، يكبر كل واحد منهم الآخر بعشر سنين، ولكن لولادة هذا الشبل الرابع والأسد الغضنفر، له أخصية عظيمة امتاز بها على إخوته بل على سائر أفراد البشر،