درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها ذكر ليلة النصف من شعبان

صفحة 156 - الجزء 1

خطبة فيها ذكر ليلة النصف من شعبان

  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمداً يليق بعظمته وجلاله، حمداً يدوم بدوامه ويليق بكماله، حمداً تعجز الخلائق عن الإتيان بمثاله، ويبلغ قائله غاية آماله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مقيل العثرات ومجيب الدعوات، وأشهد أن سيدنا ومولاناً محمداً عبده ورسوله، الذي هدانا الله به من الضلالة، وعلمنا به من الجهالة، وبصرنا به من العمى، وأقامنا به على المحجة البيضاء وسبيل التقوى، وأخرجنا به من الغمرات، وأنقذنا به من شفا جرف الهلكات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأبرار، الصادقين الأخيار، دعائم دين الله وأركان توحيده، صلاة وسلاماً دائمين من يومنا هذا إلى يوم الدين.

  عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن خير ما نتواصى به التقوى، وهي وصية الله في خلقه، يقول الله ø: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}⁣[النساء: ١٣١].

  فاتقوا الله تعالى فقد تقارب من هذه الدار الارتحال، ولقد آذنت أيامها بسرعة الزوال، فكأنها تنادي الخلائق بلسان الحال، ويصرح لسان تصاريفها عن حقيقة المآل، ولقد صرعت القرون الأول، وأخلت القصور الشامخة عن الدول، وسلبت الجامعين لحطامها ما دق وجل، وجردتهم عما كثر منها وما قل، لم يخرج منها أحد إلا بثوب الأكفان، ولم يصحبه منها ما جمع من المال ولا ما شيد من البنيان، لا يغني عنه من ماله صامت ولا ناطق، ولا يرد عنه الردى خليل ولا صديق صادق، لا تنفعه الأولاد والأحفاد، ولا يشفع فيه الإخوان ولا الأجناد، بل ينزل في قعر حفرته فريداً، ويترك هنالك وحيداً، لا يصحبه سوى ما قدمه من العمل، فإن كان صالحاً سره، وإن كان سيئاً كدره.