درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها ذكر ليلة النصف من شعبان

صفحة 157 - الجزء 1

  فاعملوا عباد الله لذلكم المنزل ولما بعده من الأهوال التي ذِكْرُها للعقول مذهل، اعملوا ليوم يشيب لهوله الصغير، إنه يوم عسير على الكافرين غير يسير، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ٨٩}⁣[الشعراء].

  واحذروا الدنيا فإنها غرَّارة لا تعدو ما يقول الله ø في وصفها: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ٤٥}⁣[الكهف]، مع أن من نال منها حبرة أعقبته عَبْرَة، ولم يلق من سرَّائها بطناً إلا منحته من ضرَّائها ظهراً، لا خير في شيء من زادها إلا التقوى، من قل منها استكثر مما يؤمنه، ومن استكثر منها لم تدم له ولم يدم لها، حيُّها بعرض موت، وأمنها بعرض خوف، ومن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطَّلع والوقوف بين يدي الحكم العدل، {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ٣٠}⁣[يونس]، فيُجزى الذين أساءوا بما عملوا ويُجزى الذين أحسنوا بالحسنى.

  أفهذه الدنيا تؤثرون؟ وفيها ترغبون؟ والله سبحانه يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ١٥ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٦}⁣[هود].

  فاعتبروا بمن قد رأيتم من إخوانكم صاروا في التراب رميماً، لا يرجى نفعهم ولا يخشى ضرهم، فهم كمن لم يكونوا وكما قال رب العزة: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا}⁣[القصص: ٥٨]، استبدلوا بظهر الأرض بطناً، وبالأنس غربة، وبالأهل وحدة، غير أنهم قد ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة الأبدية، إما إلى نعمة دائمة أو شقوة لازمة، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة حينما يكون عمر الإنسان عليه دليلاً وحجة، وحينما تؤديه أيامه إلى شقوة.