درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[الجمعة الأخيرةمن شعبان في العدل ولزوم التحلي به]

صفحة 163 - الجزء 1

  واعملوا لجنة فيها نعيم مقيم، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا تغرنكم الدنيا فليست دار مقام، وإنما هي مجاز للتزود فيها إلى دار القرار.

  فأين العقول المستضيئة بمصابيح الهدى؟ وأين الأبصار اللامحة إلى منار التقوى؟ وأين القلوب التي وُهِبت لله وعوقدت على طاعة الله؟

  فارحموا أنفسكم، وتعرضوا لرحمة الله قبل أن يحال بينكم وبينها، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.

  أيها المؤمنون، إن الله تعالى ارتضى لعباده هذا الدين القويم إكراماً لهم وامتناناً عليهم، وبين لهم المثل العليا والأخلاق الفاضلة التي يجب عليهم أن يتحلوا بها، كما أوضح لهم الأخلاق السيئة وأمرهم باجتنابها، وإن الشيطان يزين للناس حب الشهوات وسيئ الأعمال؛ ليصدهم عن سبيل الله.

  ومن المعلوم لدى كل عاقل أن الأخلاق السيئة والإقامة عليها لا تتلاءم مع قدس الإسلام؛ لأنها ضعة في النفوس ونقص في الإنسانية، وشذوذ عن التوازن، والسبيل إلى التخلص منها هو جهاد النفس، فالنفس عدو مخادع، وخصم ألد، تحمل سلاح الغدر تحت ستار النصيحة، فهي عدو داخلي يجب إخضاعه بقوة العدل، يجب إخضاعه لحكومة العقل وإشارته وإرشاداته التي يقرها الشرع الشريف.

  هذا هو العدل الذي يجب أن يتحلى به كل فرد من أفراد الأمة؛ إذ لا يكون الإنسان عادلاً حتى يُخضِع الشهوات لحكم العقل ويغض طرفه عن المحارم، ويلجم الغضب بلجام الحكمة لتترفع نفسه عن المظالم، فهذا هو العدل وهذه هي العفة بمعناها الشامل.

  سئل الصادق # عن العدل في الإنسان ما هو؟ فقال: «هو غض الطرف عن المحارم، وكف اللسان عن المآثم، وكف النفس عن المظالم»، فمن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب، وإذا اشتهى وإذا غضب - حرّم الله جسده على النار.