درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها بعد الموعظة العدل ولزوم التحلي به، نفع الله بها

صفحة 164 - الجزء 1

  فالعادل حقاً من توازنت ملكاته واعتدلت أخلاقه، ومن المعلوم أيضاً أن كثيراً من الأخلاق إنما يستفيدها الفرد من بيئته ومجتمعه الذي يحيط به، فالفرد مدين للمجتمع في أكثر صفاته وشيمه، فأفراد هذه الأمة مشتركون في الغاية، ومتماثلون في الحقوق والواجبات، فارتفاع الفرد في شخصيته بمقدار ما ينتج لمجتمعه من خير وما يؤديه إليه من ثمار طيبة، وانحداره وسقوطه يكون بمقدار ما ينال مجتمعه منه من شرور وأعمال فاسدة، وقد يتمادى عمل الشر ببعض الأفراد فيكون في مجتمعه كالعضو المصاب بالسرطان الذي يجب فصله؛ وقايةً لذلك الجسم من شره.

  فالمجتمع كالجسم الواحد الحي، والأفراد كالأعضاء لذلك الجسم، ولهذا يقول الرسول الكريم محمد ÷: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»⁣(⁣١).

  فإذا سار المجتمع على نظام عادل وطبقه على سلوكه وسلوك أفراده - سمي ذلك التوازن عدلاً اجتماعياً.

  وبيانه: أن تسير الأمة إلى المثل العليا في الحياة وفي الأخلاق، وتسعى إلى السعادة العامة والكمال المطلوب، وأن تُعِدَّ للأفراد الطرق الكفيلة بوصولهم إلى السعادة الدائمة في الدنيا والآخرة، ويتعاون الجميع على العمل لاكتساب الخير واكتساب الصفات الخلقية المثلى، وعلى التمسك بالأنظمة الشرعية الموجبة لحفظ الحقوق وسلامة النفوس وصيانة الكرامات، وفق النهج الصحيح


(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية بسنده، عن عبد الملك بن عمير عن النعمان بن بشير بلفظ: «مثل المؤمنين وتواصلهم وتراحمهم وما جعل الله فيهم من البركة مثل الجسد إذا وجع تداعى كله بالسهر والحمى»، وبسنده عن الشعبي عن النعمان بن بشير بلفظ: «إنما مثل المؤمنين في تراحمهم بينهم كجسد رجل واحد إذا اشتكى شيئاً ألم له سائر الجسد، وفي الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده» يعني: القلب.