[الخطبة الثالثة لشهر رمضان فيها ذكر مقتل الإمام علي #]
  يكسره بذراعه ويأكله.
  وروي أنه دخل عليه إنسان يوم العيد فإذا عنده خبز شعير وإناء فيه خطيفة –والخطيفة: لبن يطبخ بالدقيق(١) - فقال له: يوم عيد وخطيفة؟ فأجاب #: «إنما هذا عيد لمن غُفِر له فهذه تجزيني، ولو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز(٢)، ولكن هيهات أن يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع».
  فلهذا خسرت الأمة الإسلامية أروع فرصة في حياتها بعد رسول الله ÷، ولقد بقي الإمام # يعاني من علته ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة الشرعية لولده الحسن السبط #؛ ليمارس بعده مسئولياته في قيادة الأمة، القيادة الفكرية والاجتماعية، وكان # طوال هذه الثلاثة الأيام كما كان طوال حياته لهجاً بذكر الله والثناء عليه، كما كان يصدر الوصية تلو الوصية، والتوجيهات الحكيمة تلو التوجيهات، مرشداً إلى الخير، دالاً على المعروف، مجدداً سبل الهدى ومبيناً لطرق النجاة، داعياً إلى إقامة حدود الله، ومحذراً من الهوى والنكوص عن الرسالة الإلهية.
  وفي الأخير ينادي بني عبدالمطلب قائلاً: «لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَلَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ(٣) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله ÷ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ»(٤).
  وهكذا كانت النهاية المؤلمة لهذا القائد العظيم، فقد خسرت الأمة خسارةً من
(١) تعرف في صعدة: نشوفة.
(٢) الحرير على الحال التي يكون عليها عندما يستخرج من الصلجه. المعجم الوسيط ج ٢/ ٣٨٢.
(٣) نهج البلاغة ج ١/ ٤٢٢.
(٤) ذكره الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزةفي الديباج الوضي.