[خطبة في شهر القعدة فيها نصائح عظيمة وترغيب في الحج]
  بينكم، وقد خاب وخسر من أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، ومن جنته التي عرضها كعرض السماوات والأرض بسوء عمله.
  فاتقوا الله واعتصموا بالله، وتزودوا بالأعمال الصالحة وبتقوى الله فإن خير الزاد التقوى، فإلى متى هذا التغافل عن الأخذ بالنواصي والأقدام؟ والاستخفاف بطاعة الملك العلام؟ وإلى متى الاتكال على طول الحياة ولعل الباقي من العمر أيام؟
  فاتقوا الله فيما احتج به عليكم، وفيما قدمه إليكم، فهذه أيام القبول، وهذه أوقات التوبة فنحن في أشهر عظيمة الشأن، وهذا الشهر بالذات شهر القعدة الحرام هو أحد أشهر الحج، حيث يقول عز وعلا: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}[البقرة: ١٩٧]؛ لأن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
  وهو أيضاً أول الأشهر الحرم، وهي الأشهر التي حرم الله فيها الابتداء بالقتال، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وقد ميزها الله تعالى عن شهور السنة فقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة: ٣٦]، وقال بعدها: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥].
  ولحرمة هذه الأشهر جعلها الله سبحانه وتعالى ميقاتاً لأداء فريضة هي عند الله من أجل الفرائض، ألا وهي فريضة الحج الذي هو أحد أركان الإسلام، وهي الفريضة التي لا يقوم مقامها شيء ولا يجزئ عنها عمل من الأعمال الأخرى، ولا شيء من الأموال والصدقات، وذلك على المستطيعين الذين يقول الله فيهم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧].
  فمن استطاع ولم يؤدها فلا يقوم مقامها شيء، يروى عن رسول الله ÷ أنه قال: «من وجد زاداً وراحلة يبلغانه بيت الله ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً،