الخطبة الثانية عند قدوم يوم عرفة
  عليه الصلاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض، وفريضة الحج من أجل الفرائض الشرعية، شرعها الله لتظل أمة حبيبه محمد ÷ تحمل لواء التوحيد، وتجسد وحدة الإنسانية، وتحقق أسمى ما تصبو إليه البشرية من تطبيق التحرر والمساواة والعدالة والأمن.
  ففي الحج أداء لحقوق الله وأداء لحقوق الناس وسياحة للبدن ومعراج للروح، وتوحيد لشتات الأمر، ونشر لكلمة التوحيد، وشاء الله سبحانه أن يجعل للناس حرماً آمناً وأرضاً للسلام يملأ ذكرها النفوس بالأمن والطمأنينة، جعل الله البيت الحرام قياماً للناس وأمناً، تفزع إليه النفوس الخائفة وتطمئن بجواره القلوب الواجفة، ولا ينحصر استشعار الأمن في ربوع هذا البيت في التخلص من مخاوف الحياة وحدها، بل فيه أمان للناس من الذنوب، فهو موضع للتوبة والرجوع إلى الله سبحانه، لذلك كرر القرآن آياته مؤكداً على قدسية هذا الحرم وأمنه ليحرر الإنسان من الخوف ومن محنه التي تطارده في كل العصور، فيقول الله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤}[قريش]، ويقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}[البقرة: ١٢٦]، ويقل جل وعز: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[آل عمران: ٩٧]، ويقول جل شأنه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}[البقرة: ١٢٥]، ويقول: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ٣}[التين]، وفي القرآن الكثير الطيب من الآيات البينات التي تتحدث عن الأمن والسلام وحرمة الحياة وحرمة البيت الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام؛ ليغرس في نفس الإنسان احترام الأمن وحب السلام، وينتشله من حضيض العبث والجريمة وسفك الدماء وظلم الأبرياء.
  والحج رحلة الروح والبدن معاً وهجرة الإنسان إلى الله ووفادته عليه، وهو هجر للأهل والمال والملذات، واحتمال للمتاعب والمشاق حباً لله تعالى وشوقاً إليه، واستجابة لندائه حين يقول مخاطباً خليله إبراهيم #: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ