درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[دائرة عامة]

صفحة 264 - الجزء 1

  بدار قد سُلِبَت منها الرحمة وفقدت عنها كل نعمة، وأحاطت بأهلها كل مصيبة ونقمة، {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}⁣[الزمر: ١٦]؛ لأنهم اختاروا نعيم الدنيا ورضوا بالراحة في الدار الأولى.

  ولأنهم تركوا شكر الله واعتمدوا على كفره، فأحاطت بهم الخطيئات ووقعوا في الهلكات، فاشتد بكاؤهم وكثر نداؤهم: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ٧٧}⁣[الزخرف].

  يروى أنهم حينما ينادون بهذا النداء: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ينادون وهم في أنواع من العذاب ينتظرون أربعين عاماً فيأتيهم الجواب من العزيز الجبار: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ٧٧ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٨} وفي آية أخرى حينما يطلبون من الله أن يخرجهم من النار ويعدونه بالقيام بالواجبات والانتهاء عن المحرمات يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧}⁣[المؤمنون]، فيقول ø: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ١٠٨ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ١٠٩ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ١١٠ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ١١١}⁣[المؤمنون].

  فإذا كنتم تعلمون أن أجسامكم لا تقوى على الحريق فما بال إخلادكم إلى المعاصي، ونسيانكم الجمع بين الأقدام والنواصي، وكيف تسعون إلى رضا عدوكم اللعين وتخالفون رضا رب العالمين، أوليس قد حذركم الله وبصركم هداكم، ألم يقل لكم: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}⁣[الأعراف: ٢٧].

  فكيف تؤثرون طاعته على طاعة الله، وطاعة الله هي عز الدنيا والآخرة، يقول رسول الله ÷ «من أحب أن يكون أكرم الناس على الله، فليتق الله»⁣(⁣١).


(١) تقدم تخريجه.