[دائرة عامة]
  إن الله تعالى رفع قدر أوليائه في الدنيا وشرف منازلهم في العقبى، فإياكم ومعصية الله فإنكم بها تتباعدون عن أولياء الله، وخافوا الله في الدنيا تأمنونه في الآخرة، فإن الله تعالى لا يجمع لأوليائه بين خوفين، ولا يجمع لأعدائه بين أمنين، كما حكي عن رسول الله ÷ في الحديث القدسي قال: «يقول الله ø: لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، من خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة»(١).
  أما دعوة الشيطان وطاعته فإن غايتها هي النار، فقد أقسم الشيطان بعزة الله في غير آية من القرآن وآلى على نفسه بأن يغوي الناس ويضلهم عن سواء السبيل، فهو يقول كما حكى الله عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ٨٣}[ص]، ويقول في آية أخرى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ١٧}[الأعراف]، ويقول: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٣٩}[الحجر].
  فعلينا أيها المؤمنون، أن نعود إلى الله بالاستغفار وبالتوبة النصوح الصادقة فالله تعالى يقول وقوله الحق: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣}[الزمر]، ويقول عز من قائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ١١٠}[النساء].
  ويقول في خلال وصفه لعباده المستقيمين الذين يمشون على الأرض هوناً: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ٦٣}[الفرقان]، وصفهم جل وعلا بما يستحقونه من الصفات الحميدة، وبأنهم لا يشركون به شيئاً ولا يسرقون ولا يقتلون ولا يزنون، ثم يتهددهم إن هم ارتكبوا تلك الجرائم البشعة
(١) ذكره الإمام الموفق بالله في كتاب الإعتبار وسلوة العارفين.