درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة في عاشوراء]

صفحة 295 - الجزء 1

  المسلمين وغيرهم من أهل الملل الأخرى، حتى قامت الدولة الأموية واستولت على السلطة، هتكت حرمة الأشهر الحرم فيما هتكت من الحرمات.

  ولما كان دور «يزيد» في التسلط على رقاب المسلمين هتكت حرم الإسلام برمتها، ولا غرابة في ذلك إذا عرف الناس طرفاً من نشأته وتربيته البعيدة عن قواعد الإسلام وتقاليد المسلمين، فأمه ميسون بنت بحدل من نصارى بادية الشام، ولدته هنالك في البادية، فهو يضم إلى وثنية الأسلاف نصرانية الأخوال المستهترة، بالإضافة إلى جفوة البادية التي كان فيها مسقط رأسه.

  يقول المؤرخ الشهير العلائلي في تاريخه في الحلقة الأولى صفحة (٣٢٣): «كان يزيد متظاهراً بالفسق حتى في سفر الحج، ومتجاهراً به حتى في مدينة الرسول ÷، ففي أيامه ظهر الغناء والمغنون والمعازف بمكة والمدينة، وأظهر الناس شرب الخمر، ويتجاهر بتقريب المسيحيين في بطانته، حتى عهد بتربية ابنه إلى مسيحي على ما لا اختلاف فيه بين المؤرخين، فإذا لم تكن تربية يزيد إسلامية خالصة بل مسيحية خالصة فَلِمَ يستغرب إذا كان مجاوزاً مستهزئاً ومستخفاً بما عليه جماعة المسلمين، لا يحسب لاعتقاداتهم وتقاليدهم أي حساب.

  وقد طفحت مدونات التاريخ بمظالم يزيد، وهتكه لحرمات الدين وحرمات الحرمين المقدسين، ففي أيام حكمه القصير التي لم تدم إلا ثلاث سنوات فقط كانت نتائج سلطانه على المسلمين: أن قتل في السنة الأولى وارث رسول الله ÷ في خلقه وخلقه سيد شباب أهل الجنة، وسبى ذراريه وعياله بأسوأ ما يسبى عليه المشركون، وأما في السنة الثانية ففاجعة الحَرَّة الشهيرة، حيث أخاف المدينة المنورة وأهلها وأباح حرم رسول الله ÷ لجيشه ثلاثة أيام، فعبث بها جيشه سلباً ونهباً وقتلاً وبغياً، قتل فيها سبعمائة من المهاجرين والأنصار، بالإضافة إلى عشرة آلاف من التابعين والعرب والموالي، ويقال إنها افتضت ألف عذراء.

  ولم يكتف بذلك حتى أخذ منهم البيعة والإقرار بأن رجالهم عبيد ونساءهم