[خطبة في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه]
  فإذا مات وقد أدى ذلك كذلك فإنه يكون حينئذ من الفائزين، وإن هو هلك قبل أن يتوب وكان مثقلاً بالمظالم مفلساً عن الحسنات فإن مصيره إلى النار.
  فكيف بالظالم الغاشم الذي لم يتقرب إلى الله بقربة بل أعماله كلها إجرامية، كيف به يوم تحيط به خصماؤه؟! فهذا يأخذ بيده، وهذا يقبض على ناصيته، وذلك يتعلق بتلابيبه، هذا يقول: ظلمني، وهذا يقول: شتمني، وهذا يقول: ذكرني في غيبتي بما يسوؤني، وهذا يقول: بهتني، وذاك يقول: سفك دمي بغير حق، وهذا يقول: أكل مالي ظلماً وبغياً وقهرني على حقي، وهذا يقول: جاورني فأساء جواري، وذاك يقول: وجدني مظلوماً وهو قادر على دفع الظلم عني فداهن الظالم ولم يرع لي حقوقي.
  فبينما ذلكم الظالم بين خصمائه قد أنشبوا فيه مخالبهم، وأحكموا في تلابيبه أيديهم وهو مبهوت متحير لا يجد ناصراً ولا معيناً، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ١٨}[غافر].
  فلاذ حينذاك يتضرع إلى الله حين لا ينفعه التضرع، ومدَّ عنق الرجاء لعل الله يخلصه من خصمائه، فقرع سمعه نداء الملك الجبار: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ١٧}[غافر]، فيصيح الظالم ويتأوه، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ٥٧}[الروم]، ومع ذلك يسمع نداء العدل: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ١٨٢}[آل عمران]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ٧٦}[الزخرف].
  فيتيقن الخيبة والخسران، ويتذكر ما قد أنذره الله به في القرآن حين يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ٤٢}[إبراهيم].
  أيها المؤمنون، سبق وأن أشرنا إلى ما قامت به السلطة الأموية من هتك حرمات الإسلام، ولا أدل على ذلك مما فعلته في اليوم العاشر من شهر محرم الحرام وذلك حادثة كربلاء. فإننا اليوم نتحدث عن فاجعة أخرى وهي فاجعة